محيط الرئيس يحاول التمسك بخريطة الطريق نفسها تمسكاً يجعل منه طرفاً في الحل المتوقع ومشرفاً بشكل مباشر على عملية انتقال السلطة إلى من سيخلفه
 
توقعت مصادر أن يعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إجراءات جديدة ترتبط بترتيبات رحيله عن الحكم، تتضمن "تنازلات" محدودة ذات علاقة بموعد مغادرته الرئاسة.
 
ومنذ مساء الخميس، تلقت أجهزة أمنية تعليمات لبحث ما قد يترتب على إعلان الرئيس بوتفليقة أجندة زمنية تتصل برحيله المحتمل عن رئاسة الدولة. ويُعتقد أن بوتفليقة سيقيّد رسالته، التي أصدرها في 11 مارس (آذار) الحالي، بتواريخ زمنية محددة. أي أن القرارات السبعة التي أعلنها في وقت سابق ستظل هي نفسها.
 
وكان بوتفليقة طرح خريطة طريق تبدأ من مؤتمر تأسيسي يعدّل دستور البلاد ويعرضه للاستفتاء، ثم تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، لكنه لم يحدد أي تاريخ لهذه المحطات، ولا المهلة التي سيستمر فيها بالحكم بعد 28 أبريل (نيسان) المقبل، وهو الموعد الدستوري لنهاية ولايته الرئاسية الرابعة.
 
بماذا يفكر محيط بوتفليقة؟
 
على الرغم من استمرار المسيرات الشعبية، للجمعة الخامسة على التوالي، فإن محيط الرئيس بوتفليقة يحاول التمسك بخريطة الطريق نفسها تمسكاً يجعل منه طرفاً في الحل المتوقع ومشرفاً بشكل مباشر على عملية انتقال السلطة إلى من سيخلفه. وتقول مصادر مقربة من القصر الرئاسي لـ "اندبندنت عربية" إن المجال "لا يزال مفتوحاً أمام بوتفليقة لتقديم مقترح جديد".
 
وتقدم الدائرة المحيطة بالرئيس خطة "تقوم على اقتراح للخروج من الأزمة كشكل من أشكال التمديد مع عقد ندوة وطنية شاملة"، على أن تعقبها انتخابات رئاسية.
 
وتعتبر أنه على الرغم من أن عبارة "المرحلة الانتقالية" كانت من المحرمات لدى المحيط الرئاسي، فإن بوتفليقة سيرافق هذا المسار السياسي بإعلان مغادرته السلطة.
 
وتعتمد جهات لا تزال تدعم استمرار بوتفليقة على مخاوف انقسام الشارع، لطرح فكرة استمرار بوتفليقة ولو من باب الرمزية. إذ تقر من جهة برفض الشارع تمديد ولاية الرئيس، لكنها في الوقت نفسه تعمل على إقناع أطراف في الحراك، بما تسميه مخاوف من "الحلول التي تنبثق من الشارع، لأنها عُرضة لاختراقات أيديولوجية وسياسية متعددة، وهذا ما لا يترك أملاً كبيراً في الوصول إلى مخرج توافقي".
 
وتضيف المصادر نفسها أن "انعقاد ندوة وطنية أمر لا مفر منه… واقع الأشياء يفرض على الفرقاء اللقاء والحديث حتى في حالة النزاعات المسلحة... في نهاية المطاف لا بد من الجلوس حول طاولة حوار".
 
بوتفليقة لن ينسحب قريباً
 
بقدر تفضيل مؤسسة الرئاسة سلوك الصمت، منذ أكثر من عشرة أيام، بقدر ما يزداد الغضب في الشارع بسبب توقف "رسائل" بوتفليقة، التي انتقلت بالتنازلات من إعلان ورقة طريق تتضمن انتخابات رئاسية مبكرة، في حال فوزه بولاية خامسة، إلى إلغاء مسار الانتخابات نهائياً، لكن مع استمراره على رأس الدولة من دون نص دستوري.
 
لكن الخطوة المقبلة قد تكون تسريعاً لعملية التضحية بحلفاء الأمس. إذ يعتقد مقربون من بوتفليقة أن "الشارع الجزائري انتفض ضد آثار البوتفليقية وليس ضد بوتفليقة في ذاته".
 
لذلك يمكن توقع، وفق مصادر رفيعة، أن تُعلن إجراءات قانونية ضد عدد من وجوه المرحلة السابقة ورموز الفساد، و"قد تم اشعارهم بالمنع من السفر خارج البلاد" رسمياً، ومن بينهم علي حداد رئيس منتدى المؤسسات والصديق المقرب إلى السعيد بوتفليقة، أصغر أشقاء الرئيس الجزائري.
 
"تاج" آخر الأحزاب المساندة لبوتفليقة
 
دعا حزب تجمع أمل الجزائر (تاج) إلى التعجيل بتنظيم الندوة الوطنية الجامعة، التي دعا إليها الرئيس بوتفليقة. وبدا تجمع أمل الجزائر متمسكاً ببوتفليقة، على عكس حليفيه في التحالف الرئاسي، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
 

واعتبر الحزب، في بيان أعقب اجتماع مكتبه السياسي برئاسة عمار غول، رئيس الحزب، أن "الندوة الوطنية الجامعة تمثل الإطار الأنسب للحوار الجاد بين كل الأطراف من دون أي إقصاء، لبناء الجزائر الجديدة التي ينشدها الجميع".

وكان التجمع الوطني الديمقراطي وصف ترشيح بوتفليقة إلى ولاية خامسة بـ "فقدان بصيرة ومغامرة"، في حين أعلنت جبهة التحرير الوطني "مساندة الحراك" وأن "الشعب سيد في مطالبه".

تغييرات في قصر الرئاسة

مع استمرار المسيرات الرافضة استمرار بوتفليقة "دقيقة واحدة"، كما يهتف المتظاهرون، لم يعد يصدر عن الرئاسة غير تسريبات عن عمليات إنهاء مهمات سريعة لشخصيات عملت إلى جانب بوتفليقة على مدى سنوات.

في هذا السياق، أبعدت فريدة بسعة، مديرة الإعلام في رئاسة الجمهورية من منصبها، ثم سُربت معطيات عن إبعاد الأمينة العامة للرئاسة حبة العقبي، ومسؤول التشريفات، بعد أسبوع من إنهاء مهمات مدير الأمن الخارجي في جهاز المخابرات الجنرال يوسف بوزيت، وتعيين الجنرال علي بن داود بدلاً منه، وهو ملحق عسكري سابق في باريس.

وليس واضحاً إلى الآن سبب هذه التغييرات السريعة ومن يقف وراءها، خصوصاً أن المناصب في قصر الرئاسة والاستخبارات مرتبطة بصلاحيات الرئاسة حصراً، وليس بقيادة أركان الجيش، بعد تعديلات أقرها بوتفليقة في وقت سابق لإبعاد الاستخبارات عن ممارسة السياسة.