بمجرد قبول مبدأ تشكيل لجنة وزارية لدرس خطة وزيرة الطاقة ندى بستاني، يكون «التيار الوطني الحر» قد تراجع خطوات بعد استئثارٍ بملف الكهرباء طال لسنوات وتخلّله مد وجزر واستئجار بواخر لتأمين الطاقة بكلفة عالية، كذلك تميّز باستبعاد الحل الدائم المتمثل بإنشاء معامل لتوليد الطاقة بنحو دائم للخلاص من ازمة الكهرباء، وكلفتها العالية على الخزينة والمواطن، إذ دفعت الحزينة في السنوات العشر الاخيرة عشرين مليار دولار كلفة عجز شركة الكهرباء، وتكبّد المواطنون فاتورة مضاعفة، ونشأت «مافيا» مولدات كانت تتقاضى قبل تركيب العدادات فواتير مضاعفة من المواطن.
 

هل يمكن القول اليوم بعد تشكيل اللجنة الوزارية التي اعطاها رئيس الجمهورية ميشال عون مهلة اسبوع لدرس الملف، والعودة باقتراحاتها، أنّ قطاع الكهرباء وضع على السكة الصحيحة؟

من المبكر الحديث عن هذا الامر، لكن في الوقت نفسه فإنّ ما حصل يشير الى كسر حصرية الوزير جبران باسيل في اتخاذ القرار في شأن الكهرباء مع دخول القوى التي تتألف منها الحكومة جميعاً على خط الكهرباء، من خلال المشاركة في اللجنة التي تمثل «حزب الله» وحركة «أمل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المستقبل» والرئيس نجيب ميقاتي وتيار «المردة».

ما يصدر من معلومات في شأن اجتماعات اللجنة يشير الى انّ ثمة توجّهاً جديداً لإبداء ملاحظات جوهرية على خطة بستاني، وانّ أكثرية القوى التي تتكوّن الحكومة منها تعارض استقدام بواخر جديدة لانتاج الطاقة ضمن ما يعرف بالحل المرحلي للقطاع الذي يستبق الحل الدائم.

ويراوح الموقف الرافض لاستقدام بواخر جديدة من التحفظ الى الرفض التام، بدءاً بـ«حزب الله» الذي سيقدّم ملاحظات على الخطة لا تلحظ البواخر، مروراً بـ«القوات اللبنانية» التي كانت وما تزال رأس حربة داخل الحكومة في رفض البواخر، علماً أن ابرز عناوين الاشتباك بين «القوات» و«التيار» بعد التفاهم، كان موضوع الكهرباء الذي شهد في الحكومة السابقة صولات وجولات، بدءاًَ من طاولة الحكومة وصولاً الى دائرة المناقصة وليس انتهاءً بوسائل الاعلام حيث ظهر الخلاف «العوني» ـ «القواتي» بنحو معلن ونافر.

وما يضيف الى سياسة الإجهاز على خيار البواخر هذه المرة، قرار لدى رئيس الحكومة سعد الحريري بمعارضة الاستعانة بها، وهذه المعارضة كانت احد اسباب خروج باسيل الى المنابر مهدداً بإسقاط الحكومة، لكن ذلك لم يمنع الحريري من التمسك برفض استئجار بواخر جديدة، لعلمه ان الاستمرار في اعتماد الحلول المرحلية التي يحوطها كثير من علامات الاستفهام، يؤثر سلباً ومباشرة على التحضير لمؤتمر «سيدر»، فهذه الخيارات هي في نظر كل الدول المشاركة في هذا المؤتمر تناقض الاصلاحات المنوي تطبيقها وتنسف الثقة بالحكومة.

ولا تقتصر معارضة استقدام بواخر جديدة على «القوات» و«حزب الله» و«المستقبل»، فالمرجح أن يعارضه تيار «المردة» ايضاً، وهذا ما سيجعل الخيار ساقطاً في اللجنة، لكن هل سيعني ذلك أنّ اللجنة ستتوصل الى بلورة ملاحظات موحّدة تكون بمثابة خطة معدلة، لخطة وزيرة الطاقة؟

اذا توصلت اللجنة الى هذا التصوّر الموحّد، يتحول خطة معدلة تطرح على الحكومة لإقرارها والبدء بالتنفيذ، سواء بالنسبة الى الخطة المرحلية او الدائمة، علماً انّ وزيرة الطاقة طلبت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أن يكون تشكيل اللجنة لمواكبة تنفيذ خطتها كما هي، ولاقى ذلك معارضة بقية القوى السياسية، لكن بستاني عادت في مؤتمرها الصحافي الذي تلا الجلسة الى التلويح بالخسائر المحتملة جراء التأخير في تنفيذ الخطة، وهذا التلويح رأت فيه اوساط محاولة باسيل لمنع وضع تعديلات على الخطة تحت وطأة زيادة الخسائر التي تتكبّدها الدولة، لكن ذلك لن يلغي، حسب الاوساط، حقيقة انّ ملف الكهرباء فُتِح، وأنّ تياراً في حدّ ذاته، لم يعد قادراً على فرض الحلول التي لا يمكن القبول بها.