قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح يشيد بالمقاصد النبيلة والنيات الصافية للحراك الشعبي، في أقوى ضربة للرئيس بوتفليقة منذ بداية الاحتجاجات.
 
ذكر الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري أن الشعب عبر عن "مقاصد نبيلة" خلال الاحتجاجات المناهضة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بينما سحب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم دعمه له، وذلك في أقوى ضربة للرئيس المخضرم منذ بداية الاحتجاجات.
 
وقال رئيس الأركان إن شهر مارس "هو شهر الشهداء، تجلت فيه الأعمال ذات المقاصد النبيلة والنيات الصافية، شهر عبر خلاله الشعب الجزائري عن مكنونه ومخزونه من كنوز الصدق في العمل والإخلاص لله والوطن".
 
وتصريحات قايد التي أدلى بها خلال زيارة للمنطقة العسكرية الثالثة الثلاثاء وبثتها وسائل الإعلام الجزائرية الأربعاء هي أوضح إشارة حتى الآن على أن الجيش ينأى بنفسه عن بوتفليقة الممسك بالسلطة منذ 20 عاما.
 
كما انحاز حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى المحتجين بعد اجتماع لكبار مسؤوليه.
 
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن معاذ بوشارب منسق هيئة تسيير الحزب قوله "حزب جبهة التحرير الوطني يساند مساندة مطلقة الحراك الشعبي".
 
ودعا الحزب كذلك إلى مفاوضات لضمان الاستقرار في الجزائر، وهي منتج كبير للنفط والغاز.
 
وأذعن بوتفليقة للاحتجاجات في الأسبوع الماضي حيث أعلن أنه لن يترشح لولاية خامسة. لكنه لم يتنح على الفور وقال إنه سيبقى في منصبه لحين صياغة دستور جديد، مما يعني تمديد فترته الراهنة.
 
ولم تفلح خطواته في تهدئة المحتجين الذين يسعون لأن يتولى جيل جديد الزمام من رموز حرب الاستقلال عن فرنسا الذين يهيمنون على البلاد.
 
وأفرزت الحركة الاحتجاجية زعماء عرضوا بديلا لخارطة الطريق السياسية التي رسمها بوتفليقة للوصول لما يصفه بالجزائر الجديدة. لكنهم لم يتمكنوا بعد من تكوين قوة الدفع الكافية لإجباره على التنحي أو تقديم تنازلات أكبر.
 
وظل الجيش، الذي يلعب دورا نافذا من وراء الستار، بمنأى عن الأحداث ومن غير المرجح أن يتدخل ما دامت الاحتجاجات سلمية.

ولم يظهر بوتفليقة في مناسبات عامة إلا نادرا منذ إصابته بجلطة دماغية قبل خمس سنوات، ويقول المحتجون إن دائرة غير واضحة من معاونيه، بمن فيهم شقيقه الأصغر القوي سعيد، تحكم البلاد باسمه.

وأثبت بوتفليقة كفاءة في تعزيز سلطاته.

وذكرت مصادر أمنية أنه قام عام 2016 بحل إدارة المخابرات العسكرية التي كانت قائمة منذ فترة طويلة وأنشأ وكالة خاضعة لسيطرة الرئاسة في خطوة أخرى لإخراج الجيش من السياسة.

وعزل العام الماضي عشرات الضباط العسكريين ليركز السلطة في يد دائرة المقربين منه من غير العسكريين.

لكن بوتفليقة لم يعد قادرا على تحمل استعداء قادة الجيش الذين سبق أن تدخلوا في السياسة في اللحظات الحاسمة، ومنها في مطلع التسعينات.

وألغى الجيش حينها انتخابات كان حزب إسلامي بصدد الفوز بها، مما تسبب في حرب أهلية دامت عشر سنوات وقتل فيها نحو 200 ألف شخص.

ولعب الإسلاميون دورا محتملا في أي حكومة مستقبلية من القضايا التي قد تقسم المواطنين وتستفز الجيش.

فعلى مدار سنوات سرت شائعات بشأن خلفاء محتملين لبوتفليقة دون أن يظهر أي شخص يمكن الوثوق فيه والتعويل عليه يحظى بمساندة الجيش والنخبة وليس في السبعينات أو الثمانينات من العمر.

وعاد بوتفليقة إلى اتباع سياسة أتت بثمارها مع المعارضة فيما مضى، وهي شراء الوقت للبحث عن فرص لإحداث انقسامات ومن ثم الاستمرار في الحكم.

لكن من غير المرجح أن يفلح ذلك المسعى حاليا مع انصراف كثير من الحلفاء عن دعمه. وأشار موقع النهار الإخباري المقرب من بوتفليقة إلى أن الرئيس سيتنحى لدى انتهاء فترته الحالية في 28 أبريل نيسان.

ونجا بوتفليقة من انتفاضات "الربيع العربي" باستخدام موارد بلاده الضخمة من النفط والغاز لزيادة الإنفاق الحكومي واسترضاء الجزائريين الذين كانت لديهم إحباطات مماثلة لتلك التي سادت دولا مجاورة أطاحت بحكامها المستبدين.

وقبل كثير من الجزائريين الحكم الصارم ثمنا للاستقرار بعد صراع مع المسلحين الإسلاميين الذي يُنسب الفضل فيه إنهائه لبوتفليقة.

لكن جيلا جديدا لا يخشى التغيير في حاجة ماسة للوظائف وقدر أكبر من الحريات ويريد أن يكون له رأي في إدارة البلاد.

ونحو 70 في المئة من الجزائريين دون 30 عاما، وأكثر من ربع السكان تحت ذلك السن عاطلون عن العمل.

وأرسل بوتفليقة نائب رئيس الوزراء رمطان لعمامرة في جولة لدول حليفة التماسا لدعم جهوده لنزع فتيل الأزمة.

وقال لعمامرة في برلين إن بوتفليقة سيترك السلطة لرئيس منتخب ديمقراطيا بعد إقرار الدستور الجديد وعقد مؤتمر وطني لتحديد كيفية سير الأمور.