كشفت مصادر ديبلوماسية ان تفجير رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل مشكلة هددت مصير الحكومة الاسبوع الماضي، ترك آثارا سلبية بالغة ليس في ما يتصل بالمشكلة المعروفة حول موضوع النازحين السوريين مع المجتمع الدولي بل في ما خص المقاربة المعتمدة من الخارج وتحديدا من الاتحاد الاوروبي من اجل تقديم الدعم عبر مؤتمر “سيدر”. فمن جهة، لم يفت هذه المصادر التأثير البالغ السلبية على الواقع الاقتصادي والمالي، فيما هذا الاخير لم يشهد بعد اي اجراءات عملية تنقله من الوضع الخطير الذي كان يحذر منه جميع الافرقاء قبل تأليف الحكومة، بل ان الاداء خلال شهر من وجود الحكومة أظهر عدم جدية فعلية في مقاربة الملفات التي يتعين على لبنان البدء بها على صعيد الإصلاح الإداري.

فالضجة العشوائية والكلام على الفساد لا يعنيان أن هناك مسارا صحيحا في هذا الاتجاه، فيما الاستعدادات التي اعلنها او يعلنها الوزراء كما لو انهم يتسلمون وزارات جديدة في الوقت التي تم تداول الوزارات الاساسية بين سياسيين من الفريق الواحد بحيث ان الخطط الاصلاحية يجب الا توضع اليوم، بل ان تكون وضعت في العامين الماضيين ليبدأ تنفيذها فورا. وهذا ما لم يحصل، فيما رسمت علامات اضافية حول جدية الدولة اللبنانية المشكوك فيه أصلا. ولكن ازاء كل الاستعدادات التي أبداها الزوار الديبلوماسيون للبنان في الاسابيع الاخيرة، فإن الكرة هي في ملعب اللبنانيين وحدهم للقيام بما يتعين القيام به من أجل إنقاذ واقع اقتصادي منهار وواقع مالي خطير.

هذا في الشق المباشر للتأثير السلبي لافتعال مشكلات او اثارة مشكلات، في الوقت الذي لا يبدو مقنعا بالنسبة الى الخارج اولا ان الانقاذ الاقتصادي يتم عبر افتعال مشكلات مبكرة تطيح حتى الآن الآمال التي أثارتها ولادة الحكومة، وثانيا لا تبدو مقنعة أي من المقاربات المعتمدة، لا تلك التي قال بها “حزب الله” على خلفية ان ليس الحزب من يدير لعبة وقف الفساد واطلاق الاحكام في حق من يتهمه مثلا، كما لا ينظر إيجابا الى المقاربات التي يجريها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لموضوع الفساد على قاعدة العمل مع الحزب في هذا الملف، وكأنه يبرئه مسبقا من الفساد من جهة، فيما ينسج قاعدة للعمل بينه وبين الحزب من جهة اخرى في مرحلة يعتبر كثر أنها يجب ان تتميز بتحقيق التوازن السياسي، من دون ان يعني ذلك المواجهة الداخلية مثلا.

ففي التصعيد السياسي الذي حصل، كانت ثمة متابعة ليس فقط للاسباب التي دفعت باسيل الى التصعيد، بل للاهداف والابعاد على خلفية التناغم المحتمل بينه وبين الحزب، ولو ان الاخير كان أصدر بيانا على نحو مسبق معلنا تمسكه بالحكومة وإعطاءها فرصة للعمل. فهذه النقطة كانت لافتة، ولكن ايضا كان لافتا ابتزاز الرئيس سعد الحريري والسعي الى تطويقه أكثر، في الوقت الذي يقع عليه التوازن السياسي في مقابل سيطرة الحزب ومعه التيار العوني على القرار السياسي في البلد. وعلى رغم إدراك المعنيين التسوية السياسية التي أعاد الحريري تأكيدها في اليومين الماضيين، فإن العلاقة بينه وبين التيار العوني لا تزال تثير عدم ارتياح في ظل استغلال التحالف الاستراتيجي بين الحزب والتيار العوني لذلك من اجل قيادة البلد في اتجاهات يخشاها الخارج، إذ تؤثر على أطراف الداخل وتفرض عليهم خيارات هذه الاتجاهات او اطاحة الحكومة على ما هدد الوزير باسيل.

وهذا يسري على موضوع النازحين كما موضوع العلاقات مع النظام السوري، الى تأمين الغطاء السياسي للحزب على طول الخط كما في موضوع الانفاق التي تتجاوز الخط الازرق الى الداخل الاسرائيلي. ولا تنفي المعطيات المتوافرة في هذا الاطار وجود ضغوط على الحريري في هذا الاطار، مع الخشية من تنازلات سياسية اضافية تزامنا مع ضغوط في اتجاهات عدة يلمسها الخارج في اداء بعض الافرقاء الذين لا يخفون مخاوف تتهدد لبنان راهنا، تبدأ من الانهيار المالي وليس الاقتصادي فحسب في ظل الاداء العشوائي والضجيج المفتعل الذي لا يؤدي الى نتيجة، وتصل الى الخوف من احتمال حصول مواجهات امنية او افتعالها، وصولا الى احتمال عودة الاغتيالات. فمن جهة هناك مراقبة لتوجهين، أحدهما يتصل بطبيعة العلاقة وتطورها بين رئيس الجمهورية وتياره مع “حزب الله”، والآخر يتصل بطبيعة العلاقة بين الحريري ورئيس الجمهورية وتياره ايضا، في الوقت الذي يتم تجاهل الرسائل التي يوجهها الغرب والتي لم تعد تقتصر على الاميركيين فحسب، بل طاولت الدول الاوروبية ومنها بريطانيا ثم فرنسا، ولو لجهة حظر جمعية داعمة للحزب فحسب.

وينبغي الإقرار بأن هذين الاتجاهين يثيران قلقا بالنسبة الى المرحلة المقبلة، بحيث لا تخفي المصادر المعنية خشيتها أن الواقع اللبناني يعطي مؤشرات كثيرة على انه من دون اي افق ايجابي بحيث تثير هذه المؤشرات يأس الخارج ولامبالاته في ظل انهماك اوروبا بالكثير من مسائلها الشائكة مثلا في الوقت التي تعد الدول الاوروبية داعمة اساسية للبنان. فالعلاقة بين رئيس الجمهورية والحزب لا تزال لا تثير ارتياحا على الاطلاق وكذلك الامر بالنسبة الى تلك التي تربط بين عون والحريري او بالاحرى الحريري وباسيل وكيفية احتمال تطور هذه العلاقة الاخيرة في المدى المنظور. ففي مرحلة التوازن السياسي في لبنان التي يدفع به الخارج الاوروبي والاميركي وحتى العربي والخليجي والتي تقع من ضمنها جولة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ثمة من يخشى ان هذا الامر غدا في غاية الصعوبة حتى في ظل التحذير الخارجي والضغوط التي يمارسها في هذا الاطار.