الاتفاقات الأخيرة مع العراق ووجود بعض المساعي لوضع آليات أوروبية تفسد العقوبات الأميركية، يصبان في مصلحة النظام الإيراني كما لو كانت مرحلة إرضاع جوي لإدامة واستمرارية مشروع ولاية الإرهاب.
 

الرئيس الإيراني حسن روحاني لا يجد ما يردّ به على ردود الفعل الأميركية تجاه نتائج زيارته الأخيرة للعراق سوى أن العلاقات بين البلدين راسخة ولا يمكن المساس بها. التصريحات الأخرى توزعت من قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري الذي أكد على نقل الخبرات الإيرانية إلى الحشد الشعبي في الإعداد والتنظيم، وسارع علي رضا رشيديان، متولي الزيارات الدينية، إلى تثبيت موعد العمل بإلغاء رسوم تأشيرة الدخول حسب الاتفاق الجديد اعتبارا من 5 أبريل المقبل.

إيران وهي تخضع للعقوبات الأميركية غير مصابة بالقلق من انجراف النظام السياسي في العراق نحوها بالمزيد من الإجراءات الاقتصادية والمالية رغم أنها تتصرف معه كمنصة مناورة لكسر العقوبات المفروضة عليها، أي أن إيران تفرط بالمنفذ العراقي قياسا إلى ما تريده من توصيل حقيقة تبعية القوى السياسية والقرار الحكومي والميليشياوي لإرادة ولاية الفقيه. وهذا ما نجحت به أثناء زيارة روحاني من خلال مواقف وإجراءات أظهرت اصطفاف العراق وانحيازه الواضح إلى جانب النظام الإيراني ضد العقوبات.

نتفهّم اللعب بالنار من جانب ميليشيات الحشد، لكن كيف نتفهّم لعب النظام السياسي بمصير العراقيين بهذه المهزلة من توقيع الاتفاقات التي دفعت بعضهم إلى استشعار الخطر بعد ما صدر عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من استمرار دعم واشنطن لحكومة عراقية حرة “أقل تورطا” بما يجري في إيران. أكيد أن المقصود لا علاقة له بحكومة عادل عبدالمهدي المتورطة بمزاجها العقائدي في مصيدة كسر العقوبات ومحاولات تقييد العراق بمأزق ولاية الفقيه.

اللجنة المالية في مجلس النواب دعت إلى أخذ التحذيرات الأميركية على محمل الجد وتجنيب وضع العراق في دائرة خطر العقوبات، وسط جو من عدم التفاؤل في واشنطن لتجاهل العراق ما يحيط بالنظام الإيراني من سياسات تطويق وعزل في المنطقة وفي الداخل الإيراني، وهذا ما تطرّق إليه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي اتهم إيران بالإعداد لمجازر جديدة بسبب طموحاتها الإقليمية، أما المبعوث الإيراني الخاص بإيران برايان هوك فقد ذهب إلى وجوب امتثال العراق للعقوبات الأميركية.

نظام الملالي في سعيه لتوثيق العراقيين بحزمة من أغلال الاتفاقات على المستوى الرسمي تحت سقف الدبلوماسية يجرّ العراق إلى مستنقع بدأ باستخدام كل ما له صلة بالعراق لتنفيذ أجندات المشروع الإيراني الطائفية في المنطقة، لينتهي واقعا بالزج به في معالجات الأزمة الداخلية، سواء بردم بعض مستويات التضخم والفقر ومعضلة رواتب المتقاعدين والموظفين الإيرانيين، أو بلجم اندفاعات الجوع بقوانين تبدو الآن سطحية وبأبعاد أوهام وهواجس في الداخل العراقي لكنها مثل كل القوانين أو تعديلاتها بعد الاحتلال تستهدف جسّ النبض وامتصاص الغضب، ثم الرهان على الصراع الطائفي في فرض الأمر الواقع، ولو بعد حين، كما جرت وقائع التصويت بالمساومات أو بالتسكيت، على قانون الحشد الميليشياوي.

النظام المالي في العراق مازال يرتبط بآلية مصرفية لبنوك أميركية ولم يغادر إلى سقف التعاملات الحرة والسيادة الكاملة، والولايات المتحدة توجه تحذيرات مستمرة للنظام الحاكم في العراق من مغبة الانسياق الأعمى لإملاءات الانغلاق المذهبي مع الملالي، دون الالتفات إلى توجهات السياسة الأميركية مع إيران أو في تجاهل حقائق الاحتلال وما وهبه من نعم للذين يتنكّرون لها من أجل الولاء للمرشد أو من الذين يقفون في منطقة التردد بين الدولة العظمى ودولة الملالي.

يتحدثون عن وحدة هدف ووحدة مصير مع النظام الإيراني متناسين احتمال وحدة فرض العقوبات لاعتبار العراق محافظة إيرانية كما ورد في التنبيه الأميركي، وتلك الكارثة تتزاحم ملامحها في أفق الكوارث التي تضع العراق كسوق أو كمنطقة حرة لبيع المنتجات الإرهابية لنظام وقع في الفخ بعد 40 سنة من المراوغة وإشاعة أجواء من الكراهية تمتد على مساحة العالم.

عند كل مجزرة إرهابية تقع من هذا الطرف أو ذاك لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية، يتوجه العقلاء إلى صهر نواياهم الحسنة في إدانة التطرف وأهمية محاربة الإرهاب أينما كان في غاية تتجمّع حولها ضمائر الإنسانية. لكننا دائما لا نجيب على أسئلة تتعلق بأنشطة على مدى 40 سنة من صادرات المشروع الطائفي الإيراني الذي أسس قاعدة للكراهية في منطقة الشرق الأوسط.

الإرهاب لا دين له ولا وطن، إنها شهادة براءة لكل الأديان والأوطان والشعوب من الجرائم، لكننا على يقين بأن ثمة ولاية للإرهاب ودينا خاصا بها يترعرع منذ سنة 1979 ويستظل في غفلة السياسات الدولية بنظام دولة يستغل الحروب والفتن والتشدد وحوادث التاريخ لنشر أهدافه التوسعية.

هناك دولة ترعى الإرهاب وتموّله بمختلف الاتجاهات وتستثمر بالمقابل في النتائج والمآسي وفي جنون ردات الفعل. حان للحرب على الإرهاب أن تختصر مهمتها بقطع أذرع الإرهاب الإيراني في الدول ذات الاستهداف المعلن، أو ما يندرج تحت مهمة الإعداد للكوارث في لعبة لا تنتهي من تقاطعات السياسة تمرر فيها ولاية الفقيه ظلاميتها وطموحاتها وهي ضامنة أن الإرهاب لا وطن له ولا دين، بمعنى أن لا أحد يشير إليها بجرأة تطيح بصادرات وتمويل وتمكين وحماية وعبور الإرهاب وغموضه أحيانا.

هناك عالم يتغذى على نسبة كبيرة من منتجات الإرهاب الإيراني في السياسة الدولية والإقليمية كأنما شعاره “الإرهاب يجمعنا”، رغم المعاناة الإنسانية الأممية أو ما صارت إليه أوضاع العراق أو سوريا، ومنها ما تتعرض له الشعوب في إيران وما يلتحق بها من دول المنطقة، لذلك فإن الاتفاقات الأخيرة مع العراق ووجود بعض المساعي لوضع آليات أوروبية تفسد العقوبات الأميركية، يصبان في مصلحة النظام الإيراني كما لو كانت مرحلة إرضاع جوي لإدامة واستمرارية مشروع ولاية الإرهاب.