في لحظة فاصلة بين انتقال الدولة من مرحلة الاستقرار البارد الى مرحلة الانهيار، دق رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أجراس التحذير، بلا اصلاحات حقيقية لن يكون هناك مؤتمر «سيدر»، وبلا إجراءات جراحية في ملف الكهرباء لا يمكن وضع ايّ استثمار مالي، ومن دون الاتفاق على آلية للتعيينات ستكون المحاصصة هي العنوان.
 

يشدّ جعجع من التشاؤم تفاؤلاً، والتفاؤل اكسير الاستمرار في العمل الوطني، لكن واقعيته تتجلى في لمحات من الحوار عندما وصف الوضع كما هو، من دون ذكر هذا الوصف، وعندما دعا الجميع الى «التعاون لكي لا يصل البلد الى المحظور».

تفادى جعجع في حديث مع «رابطة خريجي الاعلام» برئاسة عامر مشموشي، استباق عمل الحكومة على رغم المؤشرات التي لا تشي بتغيير السلوك، ينتظر البدء الفعلي لاجتماعات الحكومة «لكي تكون لوزراء «القوات» كلمتهم في كل ملف، وهم أعدّوا بالفعل ملفاتهم واهمها عن الكهرباء والنازحين، وعن الكهرباء نظّمت «القوات» ندوة استنفرت اتصالات من هنا وهناك لعدم عقدها بذريعة ان لا علاقة لـ«القوات» بهذا الملف، لكن الندوة عُقِدت وخرجت بخطة عمل وأرقام مذهلة عن عجز تقني فوري في قطاع الكهرباء يصل الى نسبة 50 في المئة، يفترض معالجته قبل صرف اي قرش في قطاع الكهرباء».

التعيينات

ويقول جعجع: «مع تشكيل الحكومة الجديدة كنت اتصوّر اننا لن ننام الليل جراء الاجتماعات السريعة لإخراج البلد من وضعه الاقتصادي الصعب، لأننا كلما تأخرنا اصبحت الحلول أصعب، الا ان ما شهدناه كان غير ذلك بسبب وضع البعض العصي في دواليب رئيس الحكومة سعد الحريري، ونحن نأسف على هذا الوضع وأنا لا أستوعب الخلاف على التعيينات خصوصاً وان هناك آلية لها ونحن مع تطبيق هذه الآلية، ونعمل في الحكومة مع الافرقاء الآخرين للضغط في إتجاه التعيين في مجلس الوزراء وفق الآلية المقرة سلفا، ونحن مع تعديل الآلية المتبعة اذا كانت هناك ملاحظات على الآلية الحالية، الا اننا لن نقبل بالتعيينات في الحكومة الا وفق الآلية، مع العلم أنه اذا اردنا المحاصصة كل فريق يتمثل بحسب حجمه، اي أن الفريق الذي يمثل 51 في المئة من المسيحيين لا يمكن ان يأخذ 100 في المئة من التعيينات، على رغم أنّ «القوات» ليست مع المحاصصة، والعهد يقوى بالتعيينات وفق الآلية».

وحول تعيينات المجلس العسكري، قال جعجع: «المجلس العسكري مؤسسة خاصة بمعايير خاصة، والافضل أن لا يتدخل بها أحد فقط رئيس الجمهورية والحكومة وقائد الجيش».

واضاف: «القوات» دخلت الحكومة لكي تصنع الفارق، واطلاق المواقف لا يقدم او يؤخر شيئاً، وهناك خلافات في الحكومة حول التعيينات والكهرباء أخرت انطلاقتها، واستغرب استمرار الحديث في قضية البواخر، على رغم انّ الوضع لا يمكن ان يبقى على ما هو عليه اليوم في الكهرباء، خصوصا وان هناك فريقاً سياسياً يتابع هذا القطاع منذ 9 سنوات بلا نتيجة تذكر».

وقال: «نحن قبل كل شيء في ملف الكهرباء يجب ان نوقف الهدر الذي يقدر بـ50 في المئة وفق كل الدراسات التي أجرتها «ماكينزي» ومؤسسة كهرباء لبنان وغيرها، 15 في المئة منها هدر تقني و35 في المئة هدر بين جباية والتعليق».

البواخر

واشار جعجع الى «أن الحديث عن ان البواخر في البحر تعطي انتاجاً للكهرباء بكلفة ارخص غير دقيق، ولا يجوز انتاج الكهرباء قبل تخفيف الهدر، ونحن لن نقبل بأي بحث قبل تخفيف الهدر الى 6 او 7 في المئة، على رغم ان المعدل العالمي هو بين 2 و3 في المئة، ومشروع تخفضة العجز يحتاج الى 6 اشهر بكلفة تقريبية تلامس الـ150 مليون دولار، مع خريطة طريق من 6 اشهر الى سنة»..

«سيمنز» والعدادات الذكية

وتحدث جعجع عن شركة «سيمنز»، قال انّ هذه الشركة «قدمت اقتراحاً خلال زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل للبنان لتقديم دراسة عن الهدر، إلّا ان هناك من عمل على صد هذه المساعدة المجانية»، مشيرا الى «ان البواخر تستقدم في حالات الكوارث ولفترات محدودة»، داعيا الى «بناء معامل جديدة وفق نظام الـ»BOT»، وحين ننتهي من وقف الهدر نبدأ بالعمل على تغطية العجز الى حين انتهاء بناء المعامل عبر البواخر او اي طريقة أخرى بمناقصات عبر دائرة المناقصات، ونحن لن نرضى بإجراء اي مناقصة خارج دائرة المناقصات».

وأضاف: «هناك من يتحدث عن عرقلة في ملف الكهرباء منذ 6 سنوات الى اليوم، ولا أعلم ماذا ينتظر الوزير لكي يخرج الى العلن ويعلن عن المعرقل أو يستقيل، إلّا انه حين تكون الامور غامضة في ملف ما، يمكن اي وزير ان يعرقل ويوقف المشاريع طالما انه لا توجد تبريرات واضحة».

واشار الى «ان الكهرباء في لبنان مأساة فعلية و»القوات» ستطرح خطوات عملية في الموضوع». وقال: «مقدمو الخدمات في مؤسسة كهرباء لبنان تم التعاقد معهم من اجل تركيب العدادات، الا ان السؤال اليوم هو اين هي العدادات الذكية؟».

وردا على سؤال قال جعجع: «العدادات الذكية في حاجة الى ذكي لكي يركبها»، ودعا الى «تعيين هيئة ناظمة للكهرباء ومجلس ادارة لمؤسسة كهرباء لبنان كذلك تعيين هيئات ناظمة حيث تدعو الحاجة، خصوصا في ملف الاتصالات». كذلك دعا الى التعيين في مجلس الانماء والاعمار وفق الآلية المتبعة.

وتحدث جعجع عن «ضغوط مورست على «القوات» من اجل الغاء ورشة العمل التي اطلقتها حول هذا الموضوع بغية الخروج بتوصيات لأن الموضوع ليس عند «القوات»، الّا أننا لم نرضخ للضغوط واصدرنا دراستنا في هذا الشأن».

النازحون

وفي ملف النازحين، اكد جعجع «ان وجودهم اكبر المآسي بالنسبة اليهم بسبب وضعهم الانساني وبالنسبة الى لبنان وطريقة استغلال الموضوع، وموقف «القوات» واضح وصريح يجب عودة النازحين اليوم قبل الغد بعزة وكرامة لاننا منذ 8 سنوات نحملء عبء مليون ونصف نازح سوري بالاضافة الى المخاطر الامنية المترتبة على ذلك».

وقال: «ان بشار الاسد لا يريد اعادتهم الى سوريا، ونازحو الاردن خير دليل على ذلك نظرا للعلاقة الجيدة بين الاردن وسوريا الا انّ النازحين لم يعودوا حتى الساعة». موضحا «ان التركيبة الحالية في سوريا يتمثل فيها السنة في أقصى الحالات بنسبة 60 في المئة، كما ان السني الموجود في سوريا موال للنظام، مقابل عمليات التشيّع المستمرة في سوريا وعمليات نقل القبائل الشيعية الافغانية الى سوريا».

واشار جعجع الى «أنّ النظام السوري لم يقبل بإدخال الآلاف من النازحين، وقد تسجل في ايار الماضي 5000 نازح يريدون العودة، وبعد الاخذ والرد لعدة اشهر دخل منهم فقط في أحسن الحالات 1200 نازح فقط»، لافتا الى «ان المكاتب التي فتحها «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» لم تنفع في إعادة النازحين»، مشيرا الى «ان بلدة القصير السورية خير مثال على ذلك، حيث ان اهالي القصير يناشدون من اجل اخلائها والعودة اليها وهذا ما لم يحصل حتى الساعة، مع العلم ان الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يستطيع فرض موضوع اعادة النازحين على الاسد، وهناك من يتهرب من الموضوع لإعادة العلاقات مع سوريا وارسال الوزراء اليها. وافضل الحلول اليوم هو الحديث والتنسيق مع الروسي في هذا الشأن، الّا انه قبل اعادة النازحين يجب الغاء عدد من القوانين التي اقرت حديثاً في سوريا حول الخدمة الإلزامية ومصادرة الاملاك وغيرها من الامور.

زيارة عون لسوريا

وعن امكان زيارة الرئيس ميشال عون لسوريا لحل مسألة النازحين، قال جعجع: «انا مع زيارة عون لدمشق مع آخر 100 نازح عائدين الى سوريا، وردا على مقولة باسيل اما اعادة النازحين او لا حكومة، قال جعجع: «اذا كان باسيل يستطيع اعادة النازحين سأقبّله بين عينيه، ونحن عارضنا زيارة الغريب الى سوريا لأن الزيارة تمت من دون تنسيق مسبق ولم يناقش الموضوع مع احد»، داعيا في السياق الى «تبديد الهواجس وكمبادرة حسن نية تجاه لبنان بإعادة 200 الف نازح سوري، وبعدها نبدأ الحديث في الموضوع».

وأكد انه «لا يؤيّد ربط عودة النازحين بالحل السياسي او اعادة الاعمار».

الفساد

وعلى صعيد ملفات الفساد، اكد جعجع انه «لا توجد نتيجة حتى الساعة ونحن في إنتظار اجتماعات الحكومة لمعرفة الجدية في مكافحة الفساد، خصوصا وانّ «سيدر» لن يطبّق من دون اصلاحات جدية»، وأوضح انه في إنتظار نتائج اجتماعات لجنة المال والموازنة في شأن التوظيف، مؤكدا انه «لا توجد مراعاة لاحد في ملف الفساد».

بين «القوات» و«الحزب»

واكد جعجع «ان لا شرعية لأي سلاح خارج اطار الدولة، والتهريب عبر المرفأ لا يتحمل «حزب الله» مسؤوليته، بل الدولة هي المسؤولة عندما لا تتحمل مسؤوليتها عن توقيف التهريب والتهرب الجمركي»، مشيرا الى «ان التقاطع بين «القوات» و«حزب الله» على ملفات الفساد يكون وفق نظام «على السكين يا بطيخ»، اي كل ملف بملفه، وقد التقينا سابقا في ملف البواخر، ولكن السؤال اليوم: هل يستطيع «حزب الله» تحمل خسارة حلفائه الاستراتيجيين في معركة الفساد، خصوصاً وان لديه معارك استراتيجية اهم من هذه المعركة؟»، وقال: «اننا في إنتظار النتائج ولن نحكم على النيات».

إيران

ورداً على سؤال قال جعجع: «ايران قوية في لبنان لأن «حزب الله» صوته اعلى من صوت غيره»، مشيرا الى «وقائع عدة تناقض نظرية قوة ايران في لبنان، ومنها إستبعاد البير منصور من مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء، كما ان زيارة ظريف للبنان لم تنتج عنها اي اتفاقية على رغم انه وزير مشهود له بكفايته»، وقال: «إن التعاطي مع زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو سيكون عادياً كما كان التعاطي مع زيارة ظريف»..

وعن الحدود البحرية، اكد جعجع انه «ضد التنازل عن شبر ارض من لبنان»، الّا انه في المقابل ليس مع «اختراع المشكلات على طريقة مزارع شبعا، فهي مشكلة مفتعلة يمكن ان تنتهي بجلسة بين لبنان وسوريا وتقديم اوراق الى الامم المتحدة لإثبات انّ شبعا لبنانية»..