قانون الجنسية الجديد يستهدف السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد والتركمان، ليتحول العراقيون أصحاب الوطن إلى أقلية في بلدهم، وهذه قضية أخطر من مشكلات الكهرباء والصحة والتعليم، ولا تجاريها سوى قضية تدفق المخدرات من إيران.
 

الترويج الحالي لقانون الجنسية العراقية الذي يبيح للأجنبي، والمقصود هنا الإيراني، الحصول على الجنسية العراقية خلال عام من إقامته بالعراق شكّل صدمة كبيرة لدى العراقيين ونخبهم الفكرية والثقافية والإعلامية، مما دفعهم لفضحه وفضح القائمين على تمريره. وهناك حملة عراقية واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي لإسقاطه أمام صمت وسائل الإعلام الرسمية والحزبية العراقية لما يشكله هذا القانون من استباحة تتجاوز المنطق والمعقول.

إن ما يحصل في العراق حاليا أقسى وأمرّ وأخطر من الاحتلال الأميركي ذلك أن المحتلين العساكر معروفون بأعدادهم وهوياتهم ولهم زمن محدود يغادرون فيه البلد ويعودون إلى ديارهم، قد يقتلون من يعترضون على وجودهم لكنهم احترموا عراقية العراقي ولم يمسوا هويته، ولم يطلب عسكري أميركي محتل في يوم من الأيام أن يتجنس بالجنسية العراقية.

ما يحصل اليوم خطوات لإصدار قانون جديد يمنح الأجنبي جنسية العراق بعد إقامته لسنة واحدة تحت أغطية الضرورات والحاجة وغيرها. وهذا يعني تحوّل أكثر من ثلاثة ملايين إيراني إلى مواطنين عراقيين مباشرة، وإفساح المجال للزائرين الإيرانيين باكتساب جنسية العراق بعد مكوثهم لسنة واحدة بمجرد صدور القانون السيء الذكر الذي دفعت مسودته الحكومة السابقة إلى البرلمان الحالي، وهو وسيلة قانونية لتنفيذ برنامج التغيير الديموغرافي وإلغاء هوية العراق بعد أن تم إلغاء هويته العربية.

ولعل هذا المشروع لم يحصل مقطوعاً عن الإجراءات الحكومية السابقة، ففي أكتوبر من العام 2017 أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين عن مباشرة اللجنة المشتركة من وزارات الهجرة والداخلية والخارجية العمل على إصدار المستمسكات الثبوتية العراقية للمتواجدين في إيران بمن سموهم الأكراد الفيليين أي الشيعة بحجة أنهم كانوا يملكون هذه المستمسكات وأسقطت عنهم في عهد النظام السابق، رغم أن هؤلاء لا تتعدى أعدادهم الآلاف ممن طردوا من العراق عام 1980 قبيل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية لأسباب أمنية، والكثير ممن يسمون بالتبعية قد عادوا إلى العراق بعد 2003 واستعادوا جميع حقوقهم بما فيها السكن والملكية، وهؤلاء ليسوا ثلاثة ملايين.

لقد تمّ توفير المناخ المناسب لتمرير هذا القانون السالب للسيادة الذي يهدف إلى إبقاء اسم العراق كإطار فقط، فسياسة التغيير الديموغرافي نفذت منذ أكثر من عشر سنوات بطرق وأساليب مختلفة في مدن مهمة كالعاصمة بغداد والبصرة وسامراء وديالى، والآن تتواصل في أطراف صلاح الدين والموصل بعد منع أهالي منطقة جرف الصخر وسط العراق من العودة إلى ديارهم بحجج أمنية، وبعد الحرب على داعش تتم عرقلة عودة أهالي المدن المحررة، وإذا ما عادوا يفاجأون بمستوطنين غرباء عن مدنهم.

وخلال الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق تم إلغاء تأشيرات الدخول بين العراق وإيران وهو قرار يخدم الجانب الإيراني، ما عدا بعض العراقيين الشيعة الذين لديهم زيجات متعة في إيران، حيث سيتم تدفق الملايين من الإيرانيين خصوصاً خلال مواسم زيارة المراقد الشيعية وبمجرد مكوث هؤلاء لاثني عشر شهراً فإنهم سيتحولون إلى عراقيين بالجنسية، في حين أن معاملة المواطن العراقي داخل بلده لتجديد وثائق الجنسية والأحوال المدنية تستغرق في أغلب الأحيان سنة كاملة. وسيتمكن المتجنس الإيراني من مزاحمة العراقي في الحصول على حقوق الإعانات الاجتماعية والضمانات الصحية والتعليمية في وقت يئن فيه العراق من وطأة الفقر.

من الصعب مقارنة العراق بالدول الأوروبية من حيث قانون الجنسية، فالعراق ليس سويسرا أو فرنسا أو بريطانيا كمثال للدولة التي تجعل مدة خمس سنوات كحد أدنى لإقامة الأجنبي الدائمة وأن يكون حسن السيرة والسمعة والحصانة الأمنية واللغة لكي يتأهل للحصول على الجنسية، وتحجب عنه أو تتأخر لسنوات طويلة إذا قام بمخالفات مرورية كبيرة أو مالية في التجاوز على قانون الضرائب أو غيرها.

ولا ندري كيف قبل المسؤولون العراقيون الترويج لهذا القانون الاستباحي إن كانوا يتمتعون بالحدود الدنيا من المواطنة العراقية. لننظر إلى إيران أليست هي الدولة “الإسلامية” التي يفترض بها ألا تضع عقبات أمام المسلمين في إقامتهم على أراضيها أو تجنّسهم بدولة “الإسلام”، لكن الحقيقة أن القانون الإيراني هو من أقسى قوانين المنطقة والعالم في قضية الجنسية، حيث يتم تجريم مزدوجي الجنسية، لأنهم سيتحولون وفق معايير الأمن القومي الإيراني إلى جواسيس، فتسقط الجنسية الإيرانية عنهم فوراً. وهم يمنحون حق المواطنة لأبناء الإيرانيين في تخليد للنسل الفارسي، ولا يحق لأبناء الإيرانيات المتزوجات من أجانب الحصول على الجنسية الإيرانية، وهناك مشكلات كثيرة تواجهها الإيرانيات المتزوجات من أفغان أو عراقيين بعقود زواج “متعة” خاص بالمذهب الشيعي، ووجدن أنفسهن وذريتهن دون أيّ حماية من الدولة. تلك الأمهات وفق القانون الإيراني لا يتمتعن بالشروط لتأمين الحماية والأمن والمعونات الحكومية مثل المدارس والعناية الصحية وغيرها لأبنائهن إلى حين بلوغهم الثمانية عشر عاما.

وهناك مشكلة “البدون”، وهم الذين لا قيود لهم في إيران بسبب عدم تحديد حالتهم القانونية، فلا يحق لهم الدراسة ولا العمل ولا الخدمات الطبية والصحية ولا أي نوع من أنواع الدعم الاجتماعي والاقتصادي، وحتى الحكومة والمؤسسات المعنية لا تقيدهم ضمن إحصائياتها الرسمية.

إيران تمانع في إعطاء الأوراق الثبوتية لما لا يقل عن مليون طفل إيراني مولود من أم إيرانية وأب غير إيراني، كما يوجد آلاف المواطنين الإيرانيين في إقليم بلوشستان السني جنوب شرقي إيران من “البدون”، حسب تصريحات المسؤولين المحليين. هذه أمثلة لجوانب من قانون الجنسية الإيراني الذي يدافع عن مصالح الأمن الإيراني. وهم محقون في الدفاع عن هوية بلدهم، لكنهم ينتهكون، بمساعدة أعوانهم من السياسيين العراقيين، أبسط قواعد السيادة العراقية على المواطنين.

ورغم قسوة عمليات التغيير الديموغرافي في العراق لكن مع ذلك يصعب على المخططين تقسيم أبناء البلد على أسس طائفية، حيث ظلت العوائل التي قسمتها جريمة التهجير متواصلة في ما بينها، لكن ما يحصل اليوم وفق القانون الجديد يستهدف السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد والتركمان، ليتحول العراقيون أصحاب الوطن إلى أقلية في بلدهم، وهذه قضية خطيرة أخطر من مشكلات الكهرباء والصحة والتعليم، ولا تجاريها سوى قرينتها قضية تدفق المخدرات من إيران لتدمير الشباب العراقي. ولهذا فالمطلوب حملة واسعة لإسقاط هذا القانون داخل البرلمان وخارجه وفضح أهدافه، وهناك أصوات برلمانية وطنية ارتفعت بقوة لإفشال هذا المشروع الخبيث، فالعراقيون سيدافعون عن هويتهم مهما كانت الأثمان باهظة.