نصحت مراجع ديبلوماسية المسؤولين اللبنانيين بالتريّث في الحكم على زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبيروت أواخر الأسبوع الجاري، فكل المعلومات الواردة من واشنطن تتحدث عن «زيارة استثنائية لا سابق لها»، هو يحمل رسائل واضحة وقاسية تركز على التوجهات الأميركية المتشدّدة ولا يرغب في التفاوض أو النقاش في شكلها والمضمون.
 

تلفت مراجع ديبلوماسية في واشنطن عشية زيارة بومبيو للمنطقة الى شخصية الرجل وموقعه في تركيبة الإدارة الأميركية وهرميّتها، فتؤكد انه من اقرب القريبين الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وافضل مَن يتحدث باسمه ويفهم توجهاته ويترجمها.

وتضيف انّ بومبيو قد يذهب في تشدده في بعض الملفات الى ابعد ممّا يذهب اليه زملاؤه المُمسكون بناصية القرار وآلية تنفيذه في البيت الأبيض والأمن القومي والدوائر التنفيذية الأخرى.

وقد سبق لبومبيو أن عبّر في وضوح عن المدى الذي يمكن واشنطن أن تذهب اليه لتنفيذ قرارت ترامب أيّاً كانت المصاعب داخلية أم خارجية. فلا عوائق تحول دون تطبيق ما وعد به في حملته الإنتخابية الرئاسية منطلقاً من الصلاحيات التنفيذية الإستثنائية التي يمتلكها.

وقد سبق له أن استخدم إحداها قبل ايام باللجوء الى حق «الفيتو» لتعطيل قرارات الكونغرس ذي الغالبية الديموقراطية. وفي حربه مع الأجهزة القضائية التي ترغب بتنحيته إن تمكنت من ذلك في أيّ لحظة سانحة.

وانطلاقاً ممّا تقدم، تقول هذه التقارير ان زيارة بومبيو للمنطقة ولبنان هذه المرة استثنائية ولا تشبه أيّاً من المهمات السابقة. إذ عليه أن ينفّذ مهمته في مهلة محدودة، ولذا اختار لبنان ان يكون محطتها الأخيرة ليشكل منصة يطلق منها رسائله الإضافية الواضحة والقاسية الى اللبنانيين والدول المستثناة من جولته او تلك التي لا يريد زيارتها.

على ان الحملة الإستباقية التي سيواجهها بومبيو ليست سهلة، فهو يدرك انه يواجه مواقع قوى في المنطقة. والأنظار الأميركية توجهت الى اكثر من حدث وابرزها القمة العسكرية الثلاثية التي شهدتها دمشق أمس بين رؤساء الأركان العراقي والإيراني والسوري تحت شعار حماية الخطوط البرية بين طهران وبغداد وصولاً الى دمشق في اعتبار انّ الطريق الى بيروت منها لن تكون صعبة.

كما انها تراقب الحضور الإيراني في ميناء اللاذقية في ما يمكن وصفه تقاسماً مع الروس للمياه الدافئة في المتوسط تأميناً للبضائع الإيرانية الهاربة من برامج العقوبات.

ليس لهذه التطورات، تقول تقارير ديبلوماسية، ان تثني الأميركيين عن الطحشة الجديدة، لا بل فهي تزيدها صلابة وتشدداً، فبومبيو سيوجه سلسلة من الرسائل مفادها ان لا تهاون في تطبيق العقوبات المفروضة على ايران وميليشياتها العراقية والسورية واللبنانية وفي مقدمها «حزب الله». وانه غير مستعد للبحث في كثير من التفاصيل، فهي متروكة للقيادة الأميركية الوسطى لترجمتها عملياً، ولسفارتي بلاده في بغداد وبيروت للسهر على تنفيذها عدا عن مجموعة الأجهزة الناشطة بين بيروت وواشنطن.

وبناءً على ما تقدم، تضيف التقارير، ان بومبيو سيبلغ الى اللبنانيين ان خطط استيعاب الوجود الإيراني «الأوبامية» خارج حدود إيران الجغرافية لم تعد واردة. وانّ ما يجري تنفيذه يهدف الى إنهاء هذا الوجود وان على اللبنانيين وقادة المنطقة أن يصدّقوا هذه المرة ان العقوبات التي فرضت على ايران و«حزب الله» جاءت بما ارادته.

فالأزمات المالية والإقتصادية في ايران التي تجاوزتها في الماضي لم تستطع تحمّلها اليوم وسترضخ قريباً. كما ان إعلان «الجهاد المالي» في بيروت خير دليل على نجاح العقوبات على «حزب الله» وان التهاون في منتصف الطريق سيكون خطأً قاتلاً.

وتلفت هذه التقارير الى انه على رغم تفهّم الأميركيين للخصوصية اللبنانية فإن مثل هذه القراءة لم تعد مقبولة، وان قيل لبومبيو في بيروت ان «حزب الله» في السلطتين التشريعية والتنفيذية وانه قاتل الإرهاب مثلهم في سوريا لم يعد لها أي اعتبار.

فدوره في سوريا والبحرين واليمن يجب أن ينتهي وهو ما استبقه في لقائه مع لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس التي كانت تناقش الوضع الإنساني في اليمن فدعا اعضاءها الى الوقوف بشدة الى جانب السعودية للقضاء على الدور الإيراني في المنطقة.

ولذلك سيشدّد بومبيو على انّ الحملات الإقتصادية والجمركية والمالية الدولية اصابت مقتلاً من حضور «حزب الله» في أميركا اللاتينية وأفريقيا، بدليل بداية تسلّمها مجموعة من رجال الأعمال الذين يقودون شبكات الدعم وتبييض الأموال وسيكونون في تصرف الإدارة الأميركية قريباً.

ولذلك لن يُسمح في أن يتحوّل لبنان معبراً للخروقات الإيرانية للعقوبات الإقتصادية، فخطوط العبور بين العراق وسوريا ولبنان ستبقى مقطوعة ولن ينسحب الأميركيون من المنطقة قبل انهاء هذا الوجود، وطالما انّ بغداد تبدي تجاوباً فعلى بيروت أن تحذو حذوها.

وعليه تتوقع التقارير الدبلوماسية ان تثير زيارة بومبيو جدلاً على الساحة اللبنانية، وربما ستنتشر اخبار المواجهات المتوقعة في بعض المواقع الرسمية في مواجهة المواقف الاميركية لكنها ستبقى مضبوطة ولن تكون لها ايّ آثار فعلية. فأدوات التنفيذ مضمونة في عدد من المؤسسات العسكرية والأمنية والمالية والنقدية.

ولذلك سيؤكد بومبيو مرة أخرى استمرار الدعم العسكري للجيش والتعاون مع مصرف لبنان الذي أثبت جدارة في تطبيق العقوبات المالية وهو ما يحمي لبنان من كل المخاطر المحدقة به.

وإذا تناولت محادثات بومبيو ملف الحدود البحرية مع اسرائيل، تقول التقارير، فان هذا الملف ليس اولوية عند بومبيو، فالتشديد على الأمن في الجنوب اللبناني وتعزيز القوات الدولية لا يعني بحثاً في الحدود البحرية وان تناولها المسؤولون اللبنانيون فإنّ مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد من بين اعضاء الوفد وربما استعان به بومبيو ومعه ديفيد هيل أيضاً لتوضيح الموقف الأميركي ونصائحه معروفة لدى اللبنانيين منذ فترة طويلة.