لا شك في أنّ اشتعال السجال بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» فاجأ المحيطين بالفريقين. حتى اللحظة، لا تقدّم الأسباب المعلنة حُججاً مقنعة حول طبيعة الخلاف الذي دفع الحليفين إلى الوقوف على متاريس التراشق الإعلامي.
 

في الواجهة، بدا كلام رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في مناسبة ذكرى 14 آذار، والذي ذهب خلاله إلى حدّ التهويل بـ«فرط» الحكومة حين قال «إما عودة النازحين أو لا حكومة. وإما طرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء أو لا حكومة. وإما صفر عجز كهرباء أو الحكومة صفر ولا حكومة»... وكأنه نقطة الزيت التي صُبّت على النار فأضرمتها.

«العونيون»، كما «المستقبيلون»، مقتنعون في وجود «سرٍّ ما» فجّر العلاقة على أثر اجتماع الساعات الخمس الذي جمع رئيس الحكومة سعد الحريري بباسيل قبيل سفر الأول إلى بروكسل ووقوف الثاني على منبر 14 آذار.

تطاول التلميحات خصوصاً ملفّي التعيينات الإدارية والكهرباء، بسبب رفض الحريري ما يطلبه باسيل. لكنّ المطّلعين على موقف وزير الخارجية يجزمون أنّ حرصه على ديمومة الحكومة هو الذي أملى عليه رفع «لاءاته الحكومية»، ويؤكدون أنّه سبق له أن عقد مع الحريري عشرات الاجتماعات لوضع خريطة طريق الحكومة قبيل ولادتها، فكيف يمكن لساعات خمس أن تنسفَ مجهود عشرات الساعات؟

ولهذا، يشيرهؤلاء المطلعون، إلى أنّ ردة فعل «المستقبل» مبالغ فيها ولا توازي حجم المواقف التي أطلقها باسيل، على أهميتها ومغزاها، لكنّ تفاعل «المستقبل» بهذه الطريقة ينمّ عن محاولة لتحوير المسار وأخذ الأمور إلى غير مكانها.

ويتحدث المطلعون على موقف باسيل عن خلاف جوهري في ملف النازحين، هو الذي أثار هذه الضجة، ودفع وزير الخارجية إلى تصعيد موقفه وهو الذي يدرك تماماً أنه في حال لم تصوَّب الأمور راهناً فإنّ الحكومة ستواجه مطبات قاسية وجودية اذا لم يلتزم أعضاؤها روحية البيان الوزاري.

ويكشفون أنّ مؤتمر بروكسل شهد سلة شروط ومطالب للدول المانحة من شأنها أن تضرب كل العصب الحكومي كونها مناقضة لمبادئ الحكومة وثوابتها، حيث طلبت الدول المانحة، وعلى مسمع من رئيس الحكومة، تأمين إجازات عمل للنازحين السوريين وإقامات في اعتبارهم نازحين يتمتعون بحقوق معترف بها دولياً. وذلك بعدما تمّ الربط بين أموال «سيدر» وشرط تحويل جزء من الاستثمارات لمصلحة تشغيل يد عاملة سورية.

ولهذا يعتبر المطلعون إياهم أنّ أزمة النازحين هي التي فجّرت الخلاف وقد تؤدي إلى نسف الحكومة في حال لم يتم تطويقُها سريعاً، وهذا ما حذّر منه باسيل في خطابه.

ويكشفون أنّ مجلس الوزراء سيعقد جلسته بعد غد الخميس وستتضمن نقاشاً معمقاً لإعادة تنظيم الاتفاق حول عمل الحكومة.

وفي هذا السياق، يصرّ مسؤولون «عونيون» على أنّ ردّ مقدمة نشرة تلفزيون «المستقبل» على باسيل، كان مفاجئاً لهم ويؤكدون أنّ ما ورد في الخطاب «الآذاري»، على رغم عبوره محطة «الإبراء المستحيل»، لم يكن مقدّراً له أن يثير أزمة مع تيار «المستقبل» لولا وجود قطبة مخفية، لا تزال في نظرهم ذات طبيعة غامضة.

ويؤكد هؤلاء العونيون أنّ ثلاثية «مكافحة الفساد، وإعادة النازحين إلى بلادهم، والتحديات الاقتصادية»، تشكل بوصلة «التيار الوطني الحر» للمرحلة المقبلة. وهذه الثلاثية صيغت منذ ما قبل ولادة الحكومة وليست بالتالي وليدة الأمس لكي تنفجر في وجه تيار «المستقبل» كما صوّره إعلام الأخير وردات فعل مسؤوليه.

لا بل يذهب العونيون إلى حدّ الإشارة إلى أنّ كلام باسيل أطلق على مسامع قياديين في «التيار الأزرق» وفي مقدمهم الأمين العام أحمد الحريري إلى جانب نواب من كتلة «المستقبل» كانوا يتشاركون مائدة العشاء مع مسؤولين عونيين في ذكرى 14 آذار، في دليل واضح الى أنّ قيادة «التيار الوطني الحر» لم تكن تخطط لاستفزاز حلفائها وشركائها في الحكومة.

وإنما يأتي خطاب باسيل، حسب ما يقول العونيون، في سياق استعراض عام له صلاته بالمناسبة التي فرضت سياقاً محدّداً. ولهذا لا يتوانون عن طرح سيل من التساؤلات حول خلفية هذا الاستنفار غير المتوقع، والتي لا تزال في نظرهم قيد التشريح والتفنيد.

وقد تكون مرتبطة، حسب العونيين، بالانتخابات الفرعية المنتظر إجراؤها في 13 نيسان المقبل، والتي تستدعي شدّ عصب الجمهور «الأزرق» لخوض الانتخابات بنجاح. وقد تكون لها علاقة بزيارة الحريري للسعودية، أو بزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبيروت.

في المقابل، يحرص «المستقبيلون» على توصيف حالتهم بـ»الضحية» لا الجلاّد، ويقولون إنّ كل ما يقومون به هو للدفاع عن أنفسهم، على المستوى نفسه، بمعنى «العين بالعين والسن بالسن»، فيردّون على الموقف بموقف وعلى كلام المنبر بمقدمة نشرة أخبار، ويغسلون أيديهم من أيّ رغبة في التصعيد أو من أيّ ارتباطات بأحداث خارجية، لا بل يوجّهون السهام إلى أطراف أخرى لديها حسابات مشبوهة تتقاطع في رغبتها تخريب الحكومة مع قوى إقليمية أخرى لاعتبارات خارجية.