ما تملكه إيران والولايات المتحدة من وسائل وأدوات للهيمنة في العراق لا تملكه الحكومة العراقية، لذلك سيكون المزاد مفتوحا على الكثير من المفاجآت.
 

العراق بلد ضعيف عسكريا ورث سياسيا. فهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه وليس لدى حكومته من الإرادة ما يكفي لحفظ استقلاله وسيادته. لقد تم تدمير ذلك البلد بطريقة ممنهجة ومتقنة، بحيث يمكن تشبيه تلك العملية بحياكة السجاد وهو ما يتقنه الإيرانيون أكثر من سواهم. فحين وقع العراق تحت الاحتلال الأميركي كان الإيرانيون حاضرين بقوة في المشهد، بالرغم من العداء الأميركي – الإيراني الحقيقي.

كان هناك شيء لافت من القبول الأميركي بذلك الحضور. وهو ما أغرى الإيرانيين بالمضي في تنفيذ مشروعهم لتدمير البنية الوطنية للمجتمع العراقي وإحلال الاستقطاب الطائفي محلها، بحيث صارت إيران ضرورية لجزء من الشعب العراقي، هو ذلك الجزء الذي انتفع من سقوط الدولة وانهيار الثوابت الوطنية والرقابة على المال العام.

أنتج التنسيق الأميركي – الإيراني نظاما سياسيا فاسدا في العراق لن يقوى على رعاية وصيانة مصالح الشعب العراقي والدفاع عنها في حالة وقوع صراع بين الطرفين، وهو ما كان متوقعا دائما وهو ما يحدث اليوم.

وإذا ما كان الأميركيون يستندون في اطمئنانهم إلى أن العراق سيكون واجهتهم في صراعهم مع إيران إلى معاهدة سبق لهم وأن وقعوها قبل سحب قواتهم عام 2011، فإن الإيرانيين هم أيضا مطمئنون إلى أن العراق سيكون واجهتهم في صراعهم مع الولايات المتحدة. كل واحد من الطرفين يرى أن له القدرة على إلحاق الأذى بالطرف الآخر من خلال استعمال العراق أداة في تلك الحرب، وهو ما يجعل منه رقما صعبا في المعادلة بالرغم من هشاشته وضعف نظامه السياسي.

في ظل ذلك الواقع الملفّق الذي صنعه صراع الآخرين يشعر السياسيون العراقيون الممسكون بالسلطة في إطار تسوية بين الطرفين تضمن لهم الحماية والدعم والسكوت على فسادهم بأنهم يحظون باهتمام فائض عن حاجتهم. الأمر الذي قد ينزلق بهم إلى الشعور بأهميتهم وأهمية القرارات التي قد يتخذونها، وهو ما يقع خارج صلاحيتهم وقدرتهم على رفض أو قبول ما يُملى عليهم.

من واجب أولئك السياسيين أن يصغوا لا أن يقولوا شيئا واضحا. فهم لا يمثلون الشعب العراقي، لا أمام إيران ولا أمام الولايات المتحدة، وهم صنائع تسوية جرت بين الطرفين. وهو ما يقيد قدرتهم، إن وجدت، على اتخاذ قرارات حرة ومستقلة. الحرب بين الطرفين إن وقعت ستكشف حقيقة أن لا وجود لدولة اسمها العراق.

إضافة إلى أن أرض العراق ستكون ملعبا مفتوحا يتحرك فيه الطرفان براحة وخفة، فإن ثروات العراق ستوضع ضمن المجهود الحربي لكلا الطرفين. وهو ما لن تتمكن الحكومة العراقية من أن تتحكم به. تلك حكومة صنعها اتفاق بين طرفي الصراع وستكون لاغية إن تم إلغاء الاتفاق.

لذلك يمكن اعتبار السباق بين الولايات المتحدة وإيران لكسب ود العراقيين مجرد استعراض دعائي لما يملكه كل طرف منهما من قدرة على تسخير العراق بثرواته في خدمته. وإذا ما كان الطرفان مطمئنين إلى أن العراق سيكون جاهزا لتلبية طلباتهما فلا يعني ذلك أنهما يعتمدان على موافقة الحكومة العراقية، بل على ما يملكان من قدرة على الحركة على أرض يملكان حرية الحركة عليها من غير أن يحتاجا إلى الحصول على موافقة أحد.

الحكومة العراقية تعرف أنها أضعف من أن تتخذ موقفا بالانحياز إلى طرف دون آخر. لذلك تفضل الصمت تفادياً للوقوع في خطأ قد يعصف بها.  ما تملكه إيران والولايات المتحدة من وسائل للهيمنة في العراق لا تملكه الحكومة العراقية، لذلك سيكون المزاد مفتوحا على الكثير من المفاجآت.