الدبلوماسية اللبنانية تُوازِن بين الجذب الامريكي والإغراء الروسي
 

يترقب لبنان زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو يومي 21 و22 آذار الحالي، فيما يتحضر رئيس الجمهورية ميشال عون لزيارة روسيا يومي 25 و26 منه، في ما بدا انها سياسة دبلوماسية لبنانية جديدة لخلق نوع من التوازن بين محاولات الجذب الاميركي للبنان ومحاولات الاغراء الروسي له، في سياق موقفه الثابت بعدم الانجرار الى اي محور صراع بين القوى العظمى الدولية والاقليمية، تهربا من النتائج الغامضة لما ستكون عليه نهايات هذا الصراع الكبير القائم في المنطقة، وبما يضمن تحقيق اكبر قدر من المصالح اللبنانية.

وقالت مصادر رسمية ودبلوماسية لـ«اللواء»: ان زيارة الوزير الاميركي بومبيو لبيروت لا تخرج عن سياق المسعى الدبلوماسي الاميركي في المنطقة من اجل ايجاد تغطية سياسية ودبلوماسية مطمئِنة للحلفاء والاصدقاء بعد قرار الادارة الاميركية الانسحاب من سوريا، ولخلق دينامية سياسية جديدة تضمن لأميركا مصالحها الحيوية الاساسية.

وتعتقد المصادر ذاتها ان بومبيو سيؤكد خلال زيارة بيروت حرص الادارة الاميركية على تثبيت التعاون مع لبنان وبشكل خاص تثبيت «الشراكة» مع جهتين يعتبرهما الجانب الاميركي بمثابة الشريكين «الاكثر ثقة» في موضوع مكافحة الارهاب وهما مؤسسة الجيش والقطاع المصرفي.

وتشير المصادر الى ان الادارة الاميركية بدأت تستشعر من جهة اخرى التأثير الروسي في لبنان من خلال اتفاقيات النفط والغاز والتوجه نحو بحث التعاون الاقتصادي والعسكري بشكل اوسع من السابق، وتقديم «اغراءات» للبنان لمساعدته في كثير من الملفات ومنها ملف النازحين، وهو ما سيتأكد خلال زيارة الرئيس عون الى موسكو والتي سيرافقه فيها وزير الخارجية جبران باسيل وربما وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي. لذلك سيسعى بومبيو في زيارته - حسب تقدير المصادر ذاتها - الى محاولة جذب لبنان بعيدا قدر الامكان عن المحور الروسي- الايراني، بالرغم من ان واشنطن سلّمت بدور موسكو في المنطقة العربية ولا سيما في سوريا «كضابط امان وايقاع» لتجاوزات اسرائيل وايران  وتخفيف اندفاعة كلّ منهما اذا استشعر الروسي محاولة لزيادة حدة التوتر على نحو يهدد او يخرّب على دوره وجهوده ووجوده. لكن لبنان بات يمثل حالة خاصة لدى كلٍّ من الطرفين الاميركي والروسي وبالطبع الايراني بينهما.

وتشير مصادر دبلوماسية في هذا الصدد الى ان وزير الخارجية جبران باسيل وضع ما يشبه «ميزان الجوهرجي» في التعاطي مع السياسات الاميركية والروسية والايرانية والاقليمية، ما يخلق قدر الامكان نوعاً من التوازن في العلاقات، فهو يتعاطى مع الغرب بطريقة عملية تُطمئِنه الى حد كبير، وفي الوقت ذاته يحوز ثقة الشرق، ويعود ذلك الى انه يملك اوراقا كثيرة مهمة تتيح له خلق هذا التوازن بين محاولات الجذب الاميركي والاغراء الروسي. ويبدو ان هذه الدبلوماسية هي محط تفاهم بين باسيل وبين كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سعد الحريري.

وتعتمد الدبلوماسية اللبنانية على قاعدة ان لبنان بلد متنوع سياسياً وطائفياً وعلى ثابتة أن اي فريق لا يستطيع ان يلغي الاخر، ولذلك يسعى لإفهام العالم انه لا يستطيع ان يكون مع محور ضد اخر بسبب تنوع النسيج اللبناني الداخلي وتوازناته، وهو ما يفترض تنوع وتوازن علاقاته مع دول العالم لكي يحمي مصالحه الخاصة واستقرار مجتمعه ومؤسساته.

يبقى المهم ان ينجح لبنان في إقناع الادارة الاميركية بهذا التوجه، وهو ما سيظهر من نتائج زيارة بومبيو ومدى الاستجابة الاميركية لوضع لبنان الداخلي الحساس والهش، وهو الان في موقع تجاذب اميركي – روسي وايراني - خليجي، من دون إغفال الخطر المحدق من العدو الاسرائيلي.