توسّعت دائرة الملاحقات القضائية التي تطال ملفات الفساد المتحكم بالوزارات والإدارات الرسمية، لتصل إلى قطاع التعليم، بعد القرار المفاجئ الذي اتخذه النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان، الذي أفضى إلى توقيف مدير عام التعليم العالي أحمد الجمال، بعد الاشتباه بدوره في منح شهادات جامعية مزوّرة لعشرات الأشخاص، لقاء أموال طائلة يتقاضاها، ومكّنت حامليها من الحصول على وظائف في مؤسسات حكومية.

وشكّل توقيف مدير عام التعليم العالي، مدخلاً لفتح ملفات الفساد في القطاع التربوي، وأوضح مصدر قضائي مشرف على الملف لـ«الشرق الأوسط»، أن الملاحقات القضائية «لن تقتصر هذه المرّة على حاملي الشهادات المزوّرة، بل ستطيح بمن ساعدهم على نيلها، بدءاً من إدارات المعاهد والجامعات الخاصّة المتورطة بإعطاء تلك الشهادات، مروراً بالمسؤولين في وزارة التربية الذين قاموا بتصديق الشهادات».

وكان النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان، وجّه كتاباً إلى وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، طلب فيه بإعطائه الإذن لملاحقة الجمّال وبعض رؤساء الدوائر في الوزارة، فسارع شهيب إلى الموافقة على هذا الطلب، وتمّ استدعاء الجمّال الذي استجوب لساعات طويلة، وأفادت المصادر القضائية بأن القاضي رمضان أمر بتوقيفه على ذمة التحقيق. في حين كشفت مصادر متابعة لهذا الملف أنه «جرى استدعاء رئيس قسم المعادلات في وزارة التربية، ورئيسة قسم المصادقات، وموظفة في قسم الأرشيف، وبدأت التحقيقات معهم بإشراف المرجع القضائي المختص، كما جرى استدعاء ثلاثة ضبّاط مشتبه بدورهم في تسهيل الحصول على شهادات مزوّرة لبعض الأشخاص للتقدّم عبرها إلى مباراة دخول الكلّية الحربية». وأفادت المصادر بأن هؤلاء الأشخاص «يخضعون للتحقيق الأولي، للتثبت من وجود أشخاص آخرين متورطين في هذه العمليات، ليصار لاحقاً إلى اتخاذ القرار بشأنهم، فإما يصار إلى تركهم، وإما الادعاء عليهم بجناية تزوير شهادات رسمية واستعمال المزوّر، وإحالتهم على قضاة التحقيق».

ومع تكشّف المزيد من المعطيات عن قضايا مشابهة في وزارات وإدارات رسمية أخرى، أكد مرجع قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملف مكافحة الفساد تحوّل إلى كرة نار متدحرجة لا يمكن إيقافها»، معتبراً أن الملاحقات «لن تخضع للمساومات والتسويات، قبل أن تحقق هدفها، وتؤدي إلى تنظيف إدارات الدولة من الفاسدين».

وفيما يواصل قضاة التحقيق في قصور العدل في بيروت وجبل لبنان والبقاع وفي المحكمة العسكرية تحقيقاتهم مع مساعدين قضائيين موظفين في المحاكم وقصور العدل، ومع عناصر أمن وسماسرة مدنيين في قضايا الفساد، وقبض ودفع الرشاوى المالية، فاق عدد الموقوفين خمسين شخصاً، في حين أعلن وزير العدل اللبناني ألبيرت سرحان، أنه يواكب التحقيقات، وطمأن المواطنين والموظفين والقضاة إلى أن «البريء ستظهر براءته، والمذنب سينال عقابه، ولن يكون هناك ظلم لأحد، والعدالة ستأخذ مجراها». وقال وزير العدل: «سنعمل على استئصال جذور الفساد في القضاء وسائر الإدارات الرسمية».