الخلافات حول ملفّي عودة النازحين ومحاربة الفساد تُفرمِل اندفاعة الحكومة
 

لم يُشكّل الترحيب العربي والدولي بتأليف حكومة جديدة، حافزاً للقوى السياسية للترفع عن خلافاتها الداخلية والتطلع إلى التعاون الجاد في ما بينها لاستثمار هذا الترحيب بإعادة نظر شاملة في أوضاع البلاد الداخلية والانكباب داخل مجلس الوزراء على رسم الخطط التي تعالج المشاكل الناتجة عن الخلافات القديمة المتراكمة، ولا سيما تلك التي طالبت بها هذه الدول من إصلاحات بنيوية تضع حداً لهدر المال العام، وتبث الاوكسجين في الشريان الاقتصادي الذي بلغ حدوداً جد خطيرة حتى يتمكن هذا الاقتصاد من الوقوف مجدداً على رجليه ويصبح لبنان في وضع القادر على مواجهة التحديات الاقتصادية الكثيرة. وإن جاءت النتيجة على عكس ما يتمناه المجتمع الدولي، وعادت الانقسامات إلى داخل الحكومة الحالية كما كانت في الحكومة السابقة وربما أكثر بذلك بكثير بما ترك انطباعاً عاماً عند المراقبين والمتابعين للشأن اللبناني بأن الوضع بعد تشكيل الحكومة لن يكون أفضل مما قبلها مستشهدة بالاجواء المحمومة التي تسود البلاد وتدك بنيان التضامن الحكومي على خلفية عودة اللاجئين واستغلالها من قبل فريق فاعل في الحكومة لإعادة تطبيع العلاقات السياسية مع النظام السوري، رغم استمرار الحظر العربي والمجتمع الدولي، ورغم كل الاعتبارات اللبنانية الأخرى، فضلاً عن سياسة الكيد السياسي ونبش القبور على خلفية محاربة الفساد واجتثاث الفاسدين والمفسدين وسوقهم إلى المحاكمة.

وقد اعتبر المراقبون إثارة هذين الموضوعين المعقدين، قبل أن تبدأ الحكومة العتيدة عملها بشكل فعلي إنما يهدف إلى نسف ما كان يُحكى عن وجوب قيام تضامن وزاري داخل مجلس الوزراء حتى تتمكن الحكومة من إعادة ترميم الوضع الداخلي بما يكفل الاستجابة إلى المطالب وحتى النصائح الدولية وبما يُمكن الدولة اللبنانية من الوقوف على رجليها بعد التصدع الذي اصابها خلال مرحلة مخاض التأليف ومواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء بموقف واحد، خصوصاً وأن الفريق الذي ما زال يُصرّ على أن يضفى على نفسه انه فريق الممانعة يعرف حساسية الموضوع السوري عند فريق واسع من اللبنانيين عاشوا مرارة عهد الوصاية ويعرفون انهم لن يقبلوا تحت أي ظرف من الظروف إعادة التطبيع مع نظام الوصاية الذي سحبت الجامعة العربية اعترافها به نظراً لجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب السوري من جهة، وبحق العديد من الدول العربية، ومنها لبنان على وجه التحديد، كما يعرفون ان هذا الفريق اللبناني يعتبر التطبيع مع النظام السوري وقبل الوصول إلى تسوية سياسية في الداخل هو خط أحمر والتطرق إليه في لبنان من شأنه ان ينسف كل التوافقات السابقة ويضع البلد مجدداً امام انقسام عامودي على غرار ما كان عليه في عهد الوصاية وفي المرحلة التي تلت خروج القوات السورية من لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وإذا كان فريق الممانعة يُبرّر الحاجة على رئيس الحكومة للتطبيع مع نظام بشار الأسد بالمخاطر المترتبة على لبنان جرّاء بقاء أكثر من مليون ونصف مليون سوري داخلي أراضيه، فإن هذا التبرير لا يحول دون حصول الانقسام الداخلي، بكل تأثيراته السلبية على المسار الحكومي، ويرى ان الحل لا يكون بإعادة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري بل بالتعاون مع المجتمع الدولي لحل هذه المسألة، وهو ما يعمل عليه رئيس الحكومة من ضمن خطة متكاملة لا تنعكس سلباً على الوضع الداخلي البالغ الحساسية ويستشهد المقرّبون من رئيس الحكومة بردود الفعل السلبية للحكومة الفرنسية جرّاء ما لمسه الموفد الفرنسي بيار دوكان مما اسماه البعض بـ«الوضع اللبناني» في كيفية تعاطي لبنان مع الإصلاحات التي طلبها مؤتمر «سيدر» من لبنان وفي كيفية تعاطيه مع مؤتمر «بروكسل-3» للنازحين السوريين، والذي يدل على وجود انقسام عامودي حاد بين اللبنانيين حول كيفية معالجة هذه الازمة الموضوعة في عهدة المجتمع الدولي، وارتفاع أصوات داخل الحكومة تتهم هذا المجتمع بأنه لا يريد عودة النازحين، وارتفاع أصوات أخرى تحرض على هذا المجتمع وعلى رئيس الحكومة اللبنانية لأنه يُصر على التعامل مع المجتمع الدولي لحل أزمة النازحين السوريين بما يوفّر لهم عودة آمنة وكريمة.

وتقول أوساط سياسية لبنانية ان لبنان ذاهب إلى قمّة تونس في ظل هذا الانقسام العامودي حول النازحين، وسط معلومات تفيد بأن الوفد اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية سيطرح مسألة عودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية من باب حرصه على اكتمال العقد العربي وهو أيضاً ما يكرره رئيس مجلس النواب نبيه برّي و«حزب الله» وكل فريق الممانعة ما من شأنه ان يزيد من حدة الانقسام الداخلي ويحوِّل حكومة إلى العمل إلى متاريس داخل مجلس الوزراء ما يجعلها أشبه بحكومة تصريف أعمال في وقت يتطلع فيه المجتمع الدولي إلى ان يرى حكومة واحدة منسجمة ومتفقة على خطة عمل متكاملة تمكِّن لبنان من تجاوز مشاكله البنيوية والاقتصادية والمالية وتعيده إلى وضعه الطبيعي كعامل إيجابي داخل المنظومة الدولية.