الضحكة التي ارتسمت على وجه فؤاد السنيورة، لحظة اللقاء بين الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي، توحي بالكثير عن هذا الرجل. من اللحظة الأولى لقبول الطعن بنيابة ديما جمالي، بدأ السنيورة تحرّكه، وكان متقيناً بأن الأمور قد تنفلت من عقالها، على صعيد الترشيحات، خصوصاً إذا لم يتم لملمة الصراعات داخل البيئة السنية، وتحديداً بين ريفي والحريري. لعب السنيورة في الفترة الأخيرة أدواراً بارزة إلى جانب الحريري. يوم فُتِح الصراع على الصلاحيات، جمع السنيورة رؤساء الحكومات السابقين وذهب بهم إلى بيت الوسط، للقاء الحريري والالتفاف حوله، وحماية صلاحياته. وحينها أيضاً أجرى تواصلاً مع ريفي، نصحه فيه باتخاذ موقف إيجابي تجاه الحريري ودعم صلاحياته، لأن الوضع لا يحتمل أي شقاق.

حياكة السنيورة

استجاب ريفي في حينها. وعن قناعة، أطلق أكثر من موقف مؤيد للحريري، ومدافع عن رؤيته لتشكيل الحكومة، وعن صلاحياته. لكن ذلك لم يرقَ إلى إتمام مصالحة بين الرجلين، خصوصاً وأن ريفي عاد وانتقد الحريري على بعض أعماله أو مواقفه. جاءت الحملة التي استهدفت السنيورة، تحت عنوان "مكافحة الفساد والبحث عن الأحد عشر مليار دولار"، فمثّلت لحظة تجديد لحراك السنيورة، ولتدب الحياة في عروق حياكته السياسية. وقد تزامنت تلك الحملة مع قبول الطعن من قبل المجلس الدستوري. فعندها أيقن الحريري أنه مستهدف، والغاية تطويعه. وكان لا بد له من الاستجابة إلى المواقف التي كانت ترفض تنازلاته، تحت شعار أن هذه التنازلات لا تؤدي إلى أي نتيجة، لا بل كلّما قدّم تنازلاً سيطالبه الآخرون بالمزيد (وفق رأي ريفي وأصحابه).

أعلن ريفي استعداده للترشح وخوض المعركة الإنتخابية في طرابلس. يومها، تعاطى فريق "المستقبل" مع ريفي باستخفاف، وبإلقاء الاتهامات تجاهه، خصوصاً عندما زار النائب فيصل كرامي. برر ريفي الزيارة بأنها سلسلة لقاءات لمن عادوه في المستشفى. لكن التوقيت بقي مريباً. عرف ريفي كيف يقدم على خطوته، إذ جاء توقيتها، بعد لقاء عقده مع السنيورة، وقبل لقاء مع النائب سمير الجسر. نجح ريفي في مناورته بزيارته إلى كرامي، وهو أوصل رسالة بأن لديه خيارات انتخابية بديلة. حينها شنّ "المستقبل" حملة واسعة على ريفي، واتهامه بالذهاب إلى حلفاء حزب الله والنظام السوري، هو الذي كان ينتقد الحريري على تنازلاته.

تحت جناح الحريرية

في نهاية الطاف، يبدو أن المناورة التي أقدم عليها ريفي، هي التي عجّلت في اللقاء بينه وبين الحريري، الذي استفاد من جملة عوامل، لاستعادة زعامته المهتزّة في الفترة الأخيرة، فاستجمع قواه، مع السنيورة، ميقاتي، الرئيس تمام سلام، وأخيراً أشرف ريفي. خطوة ريفي الناجحة في المناورة، لم يحسن استكمالها حتى النهاية. صحيح أنه استعاد مشروعية حريرية وشعبية، ستريح الشارع الطرابلسي، لكنه أخطأ في الإخراج. فمثلاً لو أقدم ريفي على الخطوة قبل إعلانه الترشّح وسلّفه موقفاً للحريري على غرار ما فعل ميقاتي، لكان كسب أكثر في السياسة، وتنازل عن ترشحّه وطموحه من موقع ندّي مع الحريري. أما وقد عارض بشدّة ترشيح جمالي، وعاد وتراجع عن معارضته، ويذهب إلى العمل لصالحها، فهذا بلا شك سيقود إلى طرح تساؤلات إعتراضية من قبل الطرابلسيين، الذين يلومون الحريري على خيار جمالي.


 حاول ريفي، بالاستناد إلى مناورته، وتنازله بعد المصالحة مع الحريري، أن يضمن نفسه في الصورة السياسية للمرحلة المقبلة، فجلّ ما يريده الرجل، هو عودة التنسيق بينه وبين الحريري إلى ما كان عليه قبل الاستقالة. هذا الكلام، يعني أن ريفي لم يعد يفكّر بمنطق الزعامة أو المزاحمة عليها، بل العودة إلى تحت جناح الحريري، وقد يكون التنازل مقروناً بوعد من قبل الحريري بترشيح ريفي في الانتخابات المقبلة، ووقف الضغوط التي كانت تمارس على ريفي في طرابلس، والإفراج عن بعض المشاريع الخاصة به، والتي كانت معلّقة بفعل الخلاف مع الحريري، وإعادة فريق الحماية الخاص به.

الواقعية السياسية

نجح الحريري في الرهان على الزمن والظروف، لإعادة استجماع قواه، والتفاف مختلف "الرؤوس" السنية حوله. استعادة السنيورة لدوره، سيكون عامل تطور في العلاقة بينه وبين الحريري، وسيعزز وضع الرجلين معاً، بحيث يغيب التمايز أو الخلاف. وإشارة السنيورة إلى أن الحريري في المقدمة، لافتة، وتعتبر مكسباً للحريري، الذي أعاد تعزيز زعامته باعتراف كل القوى التي كانت تزاحمه أو تختلف معه. وهذه تؤكد ثابتة أساسية في هذه المرحلة، أن الواقعية السياسية عند مختلف القوى، وبخاصة في الشارع السنّي، تجد نفسها في النهاية مضطرة إلى التفاهم مع الحريري، وعدم الدخول في حروب خاسرة معه. لأن الوضعية السياسية والشعبية تبقى راجحة لصالح الحريري.