لم يكن الخلاف الحكومي الذي استجد، حول إشراك وزير الدولة لشؤون اللاجئين، صالح الغريب، في الوفد الوزاري إلى مؤتمر بروكسيل هامشياً، وإن نجم عن حساسية "طفيفة". فهو مؤشر على نمط خلافات ستتكرر في المرحلة المقبلة، حيال ملف اللاجئين وكيفية التعامل مع النظام السوري بشأنهم. تضاربت المعلومات في لبنان، حول الجهة التي توجه الدعوات للوزراء، المعنيين بالمشاركة في هذا المؤتمر. فالبعض اعتبر أن الاتحاد الأوروبي هو المعني، وهو استثنى الغريب من هذه الدعوة. بينما البعض الآخر يرى أن رئيس الحكومة، سعد الحريري، هو الذي يشكّل وفده، وقد ارتأى عدم إشراك الغريب في الزيارة.

أبواب الغرب

حاول الطرف الموالي للنظام السوري الضغط على الحريري، للتراجع عن موقفه واصطحاب الغريب معه. لكن الحريري بقي على موقفه، بغض النظر عن إجابته، لمن راجعه بهذا الشأن، بأنه "سيرى المناسب ليفعله". إجابة دفعت البعض إلى التخمين بأن الحريري سيتراجع.

موقف الحريري لم يلق اعتراضاً من قبل القوى التي ينتمي الغريب إليها وحسب، بل حتى طالته انتقادات من قبل الوزير جبران باسيل، الذي اعتذر عن المشاركة في عداد الوفد، واعتبر في مجالس خاصة أن الحريري لا يريد العمل بشكل جدّي على هذا الملف. الأمر الذي تنفيه مصادر قريبة من الحريري، مؤكدة أن رئيس الحكومة سيذهب إلى بروكسيل، والموقف الذي سيتخذه سيكون منسجماً مع البيان الوزاري. فيما البعض الآخر يعتبر أن الحريري وباسيل لا يريدان ذهاب الغريب إلى بروكسيل، ولكن باسيل لا يريد أن يكون في الواجهة، ولذلك حاول إلقاء الكرة على عاتق الحريري.

بمعزل عن الشعارات الكبرى، التي ترفع في هذه المؤتمرات، فمؤتمر بروكسل نفسه الذي عقد قبل سنة، لم يطبّق أي بند من مندرجاته. وكل المعطيات تفيد بأن التطبيق ينتظر الحل السياسي والتوافق الدولي حوله. لكن الأكيد أن هذه المناسبات تمثّل نماذج على استمرار الخلافات، حول العديد من الملفات، بين مكونات الحكومة في المرحلة المقبلة. لا سيما أن البعض يعتبر أن عدم إدراج الغريب في عداد الوفد المرافق للحريري، هو عبارة عن توافق بين الحريري والاتحاد الأوروبي، نظراً لمطلب الغريب التنسيق مع النظام السوري، وزيارته إلى سوريا، كما أن هناك من يريد إعطاء طابع، بإقفال أبواب الدول الغربية أمام المستميتين في الذهاب إلى حضن النظام السوري.

ملف اللاجئين

يرتبط ملف اللاجئين السوريين بجملة تطورات في المنطقة، ولا يمكن أن يكون ملفاً مستقلاً بذاته. كما أن هناك من يخشى استخدام هذا الملف في الصراعات السياسية، المستمرة في المنطقة. ولذلك فهناك من يتحدث عن سيناريوهات عديدة تتعلق بملف اللاجئين. السيناريو الأسوأ هو انتظار الحل السياسي، وبالتالي، تحولهم إلى عنصر في الصراعات السياسية. أما السيناريو الأفضل هو إيجاد حلّ سريع لعودة اللاجئين بناء على ضمانات دولية. وهذه وجهة نظر الطرف المناهض للنظام السوري. أما وجهة نظر الموالين للنظام، فإن الحلّ الأمثل هو "التنسيق" مع النظام.

وسط كل هذه العناوين، يسعى الروس إلى تعزيز دورهم، في ملف اللاجئين. وهم يتمتعون بقوة على الأرض، لكنهم غير قادرين على تحويل النجاح الأمني والعسكري إلى عمل سياسي، بسبب عدم التوافق الدولي. لا يعتبر الأميركيون أن الملف السوري أساسي، بل هو مستلحق من ضمن كل الملفات في المنطقة. والملف اللبناني مستلحق بأزمات المنطقة. ما يعني أن الخصوصية اللبنانية، التي كانت سائدة سابقاً، قد سقطت، باستثناء ملف النفط والغاز وترسيم الحدود. وفي المحصلة، سيكون ملف اللاجئين خاضعاً إلى جملة الملفات.

زيارة بومبيو

هذه الملفات، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، في ظل الضغط الأميركي المستمر على إيران. صحيح أن البعض لا يرى سياسية أميركية واضحة في هذه المرحلة، لكن الأكيد أن العقوبات والضغوط على إيران وحزب الله مستمرة ومتصاعدة. وعلى هذا، لا يمكن ترتيب حلول من دون تفاهمات شاملة، في مختلف الملفات بالمنطقة. وهذا سيكون مرتكزاً على التفاهم الأميركي الروسي، وسط تأكيدات دولية متعددة، بأن توافقاً حدث على وجوب تحجيم نفوذ إيران في سوريا. والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند أبلغ من التقاهم في لبنان، بأن التوافق الأميركي الروسي واضح في هذا المجال. والضغط الأميركي يهدف إلى ترتيب تفاهم مع إيران، في المدى البعيد.

ولذلك، تبدو العودة الأميركية إلى المنطقة مشهودة في هذه المرحلة، من خلال الضغوط والشروط المفروضة على بعض الدول، ومن بينها لبنان. وستوضح زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وجهة الأمور والتطورات. إضافة إلى انها ستكون مرتبطة بجملة عناوين أساسية، أولها ترسيم الحدود البرية والبحرية ربطاً بملف النفط، وثانيها عدم التطبيع مع النظام السوري، والتزام المقررات الدولية في معالجة ملف اللاجئين، واستمرار العقوبات على إيران وحزب الله.