توزعت الاهتمامات اللبنانية رسمياً وسياسياً وشعبياً بين إشكالات الوفد اللبناني الذي يطير اليوم برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بلجيكا وتغييب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وبين محطة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى بيروت المقررة مبدئياً بين 22 و23 الجاري، وما يُمكن ان يحمله من رسائل إلى المسؤولين اللبنانيين.

ففي الشق الأول وضع الرئيس الحريري، بعد زيارته أمس القصر الجمهوري واجتماعه الى الرئيس ميشال عون، حداً للجدال الدائر حول استبعاد وزير شؤون النازحين عن مؤتمر بروكسل المخصص لدعم مستقبل سوريا والمنطقة بتأكيده ان رئيس الحكومة ذاهب إلى المؤتمر وهو يمثل لبنان ويتحدث باسمه. وأضاف في إشارة واضحة إلى الذين حاولوا استغلال غياب الوزير غريب لإثارة أزمة داخل الحكومة أولاً وبين الرئيس الحريري ورئيس الجمهورية على وجه الخصوص، إلى انه ممنوع تسييس هذا الملف، ما يعني انه تفاهم مع الرئيس عون على هذا الموضوع، وان الأخير تفهم الاسباب التي حالت دون دعوة وزير الدولة لشؤون النازحين للمشاركة في هذا المؤتمر.

وكان اللافت أيضاً في التصريح الذي أدلى به الرئيس الحريري، بعد اجتماعه إلى رئيس الجمهورية، إعادة كل من يعنيهم الأمر وحاولوا توظيف عدم اشراك الوزير المختص بشؤون النازحين في الوفد اللبناني تذكيرهم بالسياسة التي تعتمدها الحكومة حيال قضية النازحين والتي تؤكد على ان الجميع متفق على عودة النازحين، غير أن هناك واقعاً يجب التعامل معه وهو انهم موجودون في لبنان وتجب مساعدة المناطق المضيفة التي تشكّل العنوان الأساس لمؤتمر بروكسل.. أما موضوع عودتهم فليس بنداً فيه.

غير أن كل هذه التوضيحات التي صدرت عن رئيس الحكومة عشية توجهه إلى بروكسل، لم تمنع ان يبقى ملف عودة النازحين موضع تجاذب داخلي وعنواناً خلافياً بامتياز يتجاذبه فريقان، الأول يتزعمه الرئيس الحريري الرافض للتواصل مع النظام السوري باعتباره ممر عبور إلزاميا لأي عودة آمنة لهؤلاء ويدرج كل محاولة تجري في هذا الإطار في خانة محاولات التطبيع مع النظام، معتبراً ان لا عودة الا عبر المجتمع الدولي الذي يوفّر الضمانات المطلوبة والشروط الأساسية للخطوة، والثاني يقوده فريق الممانعة المتمسك بعقيدته القائلة إن لا مجال للعودة الا بالتواصل المباشر مع نظام بشار الأسد الذي حسب وجهة نظرهم استعاد زمام المبادرة السياسية والأمنية في سوريا بنسبة تفوق الـ90 بالمائة، ولا سبيل لابعاد شبح التوطين الا بالكلام المباشر مع هذا النظام، ويأتي في هذا السياق اعتذار وزير الخارجية جبران باسيل الذي وجهت إليه الدعوة عن المشاركة في مؤتمر بروكسل ليضيف دعما إلى الموقف الذي يتخذه فريق الممانعة على هذا الصعيد، وإن كانت مصادر الوزير باسيل عزت عدم مشاركته إلى قلة إيمانه برغبة المجتمع الدولي بإعادة النازحين ووجوب البحث عن سبيل آخر أسرع وأكثر فاعلية لأن وزر هؤلاء على المستويات كافة لم يعد في استطاعة لبنان تحمله ولا انتظار الحل السياسي الذي تربط بعض دول القرار خطوة العودة به.

أما في الشق الثاني المتعلق بزيارة رئيس الدبلوماسية الأميركية وما يحمله من رسائل إلى المسؤولين اللبنانيين فقد اختلفت توقعات الأوساط السياسية في لبنان حولها، فمنهم من توقع ان تكون رسائل الوزير بومبيو، صورة موسعة للرسائل التي حملها موفده ساترفيلد والتي خيّرت المسؤولين اللبنانيين بين اعتماد الخيار الوطني الذي يحفظ سيادة لبنان واستقلاله واستقراره وبين خيار التبعية إلى إيران من خلال حزب الله الذي يمسك بكل قرارات الدولة اللبنانية بعد فوزه الساحق مع حلفائه الاستراتيجيين في الانتخابات النيابية، ومن ثم في تشكيلة الحكومة بحصوله على غالبية المقاعد الوزارية، في حين توقع فريق آخر ان يكون هدف الزيارة الوضع في الجنوب اللبناني والبحث في امكانية تسلم الجيش المهام الموكلة حالياً إلى قوات اليونيفيل والانطلاق منها للبحث في كيفية تعزيز قدراته القتالية واللوجستية. غير ان ذلك لا يمنع من أن يتخذ الوزير بومبيو من هذا البند وسيلة للبحث في سلاح حزب الله وهيمنته على القرار اللبناني.