للمرة المئة، تثبت الطبقة السياسية عجزها ويثبت النظام القائم على التوافق فشله، فالحكومة التي لم يمض على تأليفها أكثر من شهر، تحوّلت إلى حكومتين رفعت المتاريس بينهما، حكومة تريد العودة إلى الوصاية بعد تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، وحكومة ترفض بإصرار العودة إلى عهد الوصاية مهما كان الثمن، حكومة ترفع شعار محاربة الفساد استنسابياً، وحكومة ترفع الشعار نفسه لكن بعيداً عن الاستنسابية أو الكيدية، ما حدا بالبعض إلى التذكير بحال الحكومة السابقة التي تحوّلت من حكومة وفاق وطني واستعادة الثقة إلى حكومة تناقضات عاجزة حتى عن إدارة دفة الحكم ولو لمرحلة انتقالية.

إن هذا الواقع الراهن، يدل بشكل قاطع على فشل هذه الطبقة السياسية، ومن باب أولى يدل على أزمة نظام، والأصح على وجود تصميم عند البعض من أرباب هذه الطبقة على التماهي في عدم تطبيق النظام، حتى يظهر اللبنانيون بأنهم غير قادرين على ان يحكموا أنفسهم بأنفسهم ويحتاجون بالتالي إلى وصاية جديدة للامساك بالحكم، وهناك الآن أكثر من دليل على ان هذا البعض يقصد بذلك الوصاية السورية ويمهد لذلك بإصراره على إعادة التطبيع مع نظام بشار الأسد، ولو اقتضى الأمر هدم الهيكل على رؤوس الجميع، وإلا ما معنى ان يفتح حزب الله النار على شريكه في الحكومة تيّار «المستقبل» ويطالب بإحالة رموزه إلى القضاء بوصفهم رأس الفساد الذي اوصل البلد إلى ما وصلت إليه من العجز المالي وارتفاع المديونية العامة الى حدود المائة مليار دولار أميركي؟ وما معنى ان يصر على التطبيع مع نظام بشار الاسد في حين يرى الفريق الآخر في هذا المطلب جريمة بحق لبنان واللبنانيين بوصفها تشكّل دعوة أو ايذاناً بعودة الوصاية السورية الى لبنان؟ وما سمعه وقرأه اللبنانيون في الأيام القليلة الماضية من تصريحات ومواقف لمن يُسمّي نفسه «فريق الممانعة» سوى دليل قاطع على ان هذا الفريق لن يسمح بإقامة دولة فعلية حتى يُبرّر اصراره على عودة الوصاية، أو على الأقل عودة نفوذ نظام بشار الأسد إلى لبنان كعامل أساسي ومؤثر في إدارة الحكم بما يتناسب مع مصالحه ومطامعه التاريخية بلبنان. وما انقسام الحكومة الى حكومتين على خلفية التطبيع مع نظام بشار الأسد سوى البداية، وسوف تشهد الأيام والأسابيع المقبلة مزيداً من الانقسام الحكومي الى درجة تستحيل معها الاستمرارية التي ارادها الرئيس سعد الحريري بقبوله ان يُشارك خصومه الاستراتيجيين في الحكم بالرغم من كل النصائح العربية والدولية التي تبلغها بشكل وبآخر خلال مرحلة المخاض الطويل المضني الذي سبق ولادة حكومته.

قد يقول قائل بأن انقسام الحكومة إلى حكومتين أمر طبيعي اعتاد عليه اللبنانيون في الحكومات السابقة، لكن الوضع اليوم يختلف عمّا كان عليه في السابق، فالمنطقة ما زالت تعيش حالة غليان لأن الطبخة الدولية لم تنضج بعد، ولكل فريق في الداخل رهاناته الخاصة به، والتي على أساسها بنى استراتيجيته الداخلية، بعدما انتهى شهر العسل الحكومي.