عام 1952 انتُخب النائب والوزير والسفير السابق كميل شمعون رئيساً للجمهورية اللبنانية خلفاً للشيخ بشارة الخوري الذي أُسقط في مظاهرات شعبية بعد تمديد ولايته في انتخابات مزورة. وفي عام 1957 أسقط كميل شمعون في انتخابات مزورة كبار زعماء لبنان من صائب سلام إلى كمال جنبلاط، من أجل أن يجدد، فكان أن أحرق البلد في ثورة أهلية.


عُرف عهد شمعون بعهد الازدهار، وانتقال لبنان من حال إلى حال، وفي أيامه سمِّيت بيروت «باريس الشرق» وشهدت نهضة أدبية وفنية كبرى، وكبَّرت المصارف الاستثمارات، وانتعشت الصحف، ومع هذا كله انتعش لبنان. لكن في النهاية أصبح رجل الازدهار رجل الانكسار. نسي موعد الخروج.


ينسى الرؤساء العرب موعد الخروج. كرر كميل شمعون الخطأ الذي أودى ببشارة الخوري وجاء به. عبد العزيز بوتفليقة جاء بالوئام، ويكاد يحمله معه. أربع عهديات كانت تكفي لأن يتمعّن جيداً بما يمكن أن تقبله الجزائر والأصول والمنطق والحقائق. لكنه يطلب من الجزائر عاماً آخر. عام واحد يرتب خلاله، مُقعداً وصامتاً، ما لم يرتّبه أيام القوة والحركة والرؤية الواضحة.


زعيم الوئام غائب عن أرضه وعن شعبه وعن صحته، ويريد عاماً واحداً. ولو فتح نافذته لسمع هتاف الشعب الذي يريد رئيساً قادراً على تحمل أعباء الجزائر قبل فوات الأوان. وقبل أن تعود القوى المتربصة إلى مواقعها على زوايا الشوارع وخلف صخور الجبال. وكيف يصدق الجزائريون أن الرئيس يطلبهم في التمديد وهو لا يستطيع أن يخاطبهم، وهم لا يستطيعون أن يروه؟ ولا سوف يستطيع أن يقرأ عليهم خطاب التنصيب، أو أن يحضر حفله، أو أن يصافح مهنئيه، أو أن يرد التحية للجنود الذين يؤدّون له التحية.


متى يدرك جيل الثورة في الجزائر أن الفرنسيين خرجوا منذ 50 عاماً، وأنها الآن حاشدة بأجيال العلم والعمل والحيوية وبناة الدولة والمجتمع وصنّاع المستقبل.


كنا نعتقد أن الجزائر سوف تخرج على العادة العربية الرديئة والمملة، فيخرج الرئيس محترماً ومكرماً إلى منزله، وتخرج الناس بمئات الآلاف إلى الشوارع والشرفات لتودِّعه، لا لتطالب بسقوطه وهو في الأيام الأخيرة من مرارته ومرارة مواطنيه بوضعه.


جاءت الدعوة إلى الانتخابات في أعقاب سلسلة معلنة من الإقالات والترتيبات والعزل، وهذه كلها أمور ممكنة، لأنها بشرية. ما هو غير ممكن هو ما ليس في أيدي البشر ولا في قدرتهم. ثمة أشياء أعلى من رئاسة الأركان والطب السويسري.

 

سمير عطا الله