عجلة التشريع في المجلس النيابي، تحرّكت بسرعة بعدما وضع القطار على السكة الصحيحة، وتمكن في ثلاث جلسات من تصديق سلّة من مشاريع واقتراحات القوانين التي تصب في خدمة الدولة والمواطن بعيداً عن المناكفات والسياسات الكيدية ولغة الانتقام والثأر والتعطيل المتعمد وبذلك يكون هذا المجلس أثبت وربما للمرة الأولى بعد التسوية الرئاسية وتسوية تأليف حكومة «إلى العمل انه قادر على تجاوز كل خلافاته وتناقضاته وتعاون الجميع على إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية بوصفها فوق كل إعتبار وبذلك يكون قد استعاد الثقة التي منحه إياها الشعب اللبناني في انتخابات نزيهة.

لقد صدَّق المجلس النيابي في الجلسات التي عقدها في اليومين الماضيين عدداً من القوانين التي تفتح الطريق امام حكومة إلى العمل لكي تتحرك بدورها بالسرعة المطلوبة لتنفيذ ما تعهدت به في بيانها الوزاري الذي نالت الثقة على أساسه وفي مقدمه ما تعهدت به هو الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي، ومحاربة الفساد بكل أشكاله وألوانه ومن مصادره لتستعيد بذلك ثقة اللبنانيين التواقين ليروا دولتهم على قدر المسؤولية وثقة المجتمع الدولي الذي عبر على لسان موفديه الذين غص بهم لبنان في الأيام الثلاثة الماضية والذين نقلوا إلى المسؤولين اللبنانيين رسائل واضحة مفادها ان المجتمع الدولي لا يزال يعتبر وجود لبنان ضرورة دولية ولا يزال يتمسك به، ويهمه بالدرجة الأولى ان يعرف المسؤولون عنه ان عليهم مسؤولية الاستجابة لنصائح هذا المجتمع، وهي ليست مستحيلة إذا وجدت الإرادة الوطنية وإذا ما التزم مسؤولوه بالخيارات الوطنية بمعزل عن أية املاءات أو تأثيرات خارجية قائمة على ايديولوجيات لا مصلحة للبنان فيها، لا من قريب ولا من بعيد، وهؤلاء المسؤولون يعرفون تماماً ان مثل هذه الايديولوجيات هي التي اوصلت بلدهم إلى حافة الهاوية والانهيار التام.

كل الدلائل، توحي بأن حكومة «الى العمل» جادة في الالتزام بكل تعهداتها تجاه الداخل وتجاه المجتمع الدولي، هذا على الأقل ما سمعناه من رئيس الجمهورية في ما يتعلق بتحقيق الإصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي، سواء في قطاع الكهرباء الذي يستنزف الخزينة، وسواء في خفض النفقات ولو بنسبة واحد بالمئة، وسواء في محاربة الفساد بكل اشكاله وألوانه والذي اقدم المجلس النيابي على فتح الباب امام هذه الخطوة بإقراره قانون محاكمة الرؤساء والوزراء ليؤكد ان الحرب الحقيقية على الفساد تبدأ من رأس الهرم وليس من القاعدة، وهذا ما سمعناه تكراراً من رئيسها وكان آخرها في المجلس النيابي، يبقى أن تبدأ الحكومة وضع خريطة الطريق كما هو مؤمل لا ان تكتفي بإطلاق الوعود فقط لأن الوقت يمضي بسرعة وهو لا يرحم الذين يتخلفون لأي سبب كان عن استغلال الفرصة، وهي اليوم متاحة وحسم خياراتها الوطنية، بدءًا بالتزامها بكل التعهدات التي جاءت في بيانها الوزاري، خصوصاً وأن الأجواء التي عكستها الجلسات التشريعية للمجلس النيابي تعطي زخماً قوياً للحكومة لكي تحرك عجلة قطارها مقتنصة الفرصة الداخلية المتاحة والفرصة الخارجية التي منحها إياها المجتمع الدولي وحتى العربي بالرغم من مآخذه الكثيرة على أداء السلطة الحاكمة.