جاء جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة من وسط اجتماعي واحد. كلاهما ولد في قرية معزولة أعالي جبال لبنان. جبال الأرز وجبال صنين. وكلاهما في مرحلة زمنية واحدة من القرن التاسع عشر. وفي مرحلة واحدة أيضاً هاجرا إلى الولايات المتحدة، جبران مع أمه وإخوته، ونعيمة إلى أشقائه الذين سبقوه. كلاهما عانى من الفقر، هنا وهناك.


قبل الوصول إلى أميركا، مر نعيمة بالمدرسة الروسية الرهبانية في فلسطين، ثم بالجامعة في روسيا. ومرَّ جبران في بوسطن. ثم التقيا معاً في نيويورك. ومعاً ألفا «الرابطة القلمية» التي انضم إليها أدباء وشعراء آخرون، متفاوتو الشهرة والأهمية والنتاج.


كلاهما كتب بالعربية وبالإنجليزية. كلاهما تأثر بالمرحلة الرومانسية السائدة آنذاك. كلاهما جرّب الرواية على طريقة تلك الأيام. كلاهما جرّب الشعر «الحكمي» أو الصوفي. كلاهما جرّب الشذرات أو التأملات. كلاهما انتمى إلى التمرد في الوطن والهجرة.


تلازما في الصداقة والمودة حتى بدَوا توأمين. وما كان يذكر اسم واحد دون الآخر. انصرف جبران إلى الرسم، فجرّب نعيمة في الرسم ريشة طفولية. في كل هذه الرفاقية ظل جبران الأول بين الاثنين. وبقي في قلب نعيمة جرح لم يعبر عن ألمه إلا بعد وفاة جبران عن 48 عاماً. لكن ميخائيل عاش إلى عقده العاشر وما بلغ شيئاً من شهرة جبران في العالم.


ظل هو الاسم الذي يذكر «مع» جبران، لا قبله. تماماً مثل حافظ إبراهيم وخليل مطران، مع شوقي، وأمين نخلة مع الأخطل الصغير.


منذ سنوات عدة، توقفت عن قراءة الاثنين. وبقيت أعود إلى نعيمة محاولاً أن أجد فيه ما يعدّل في نظرتي الأولى إليه. فربما كنت في الماضي أكثر قسوة وأقل خبرة. لكنني ظللت أجد بين الاثنين فارقاً ساطعاً من دون أن أستطيع تحديده.
قبل أيام، وجدت على رفوف إحدى المكتبات كتاباً تائهاً لنعيمة بعنوان «كان يا ما كان». «تائهاً» بمعنى خارج مجموعته المشهورة والمألوفة. وبعد تردد، حملته معي إلى البيت، فإذا هو مجموعة قصص قصيرة مؤرخة ما بين 1918 و1925. قصص من روح المرحلة، تغلب عليها كذلك رومانسية المرحلة ودرامياتها وعقدها المتأثرة بفروسيات الأدب الفرنسي.


عرضاً، اكتشفت، الفارق الكبير بين عَلمَي «الرابطة القلمية». واحد يغترف من الينابيع والجداول التي سافرت معه إلى بوسطن، وواحد يقتلع من حجارة صنين. واحد يريد أن يشق نهراً، وآخر أن يبني قلعة. الأنهار تنساب جميلة.

 

سمير عطا الله