استمرار الهجوم على السنيورة، هل تحولت قضية محاربة الفساد إلى الكيدية السياسية؟
 

ما كادت الحملة على رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة تخبو حتى أعاد إشعالها بالأمس مدير عام وزارة المالية السيد آلان بيفاني، ففي خطوة مفاجئة، ولعلّها غير مسبوقة، أو تُذكّر بإطلالات اللواء جميل السيد السياسيّة عندما كان مديراً عامّاً للأمن العام، خرج بالأمس السيد بيفاني في مؤتمرٍ صحافي عقده في نادي الصحافة ردّاً على المؤتمر الذي عقده الرئيس السنيورة في نقابة الصحافة الأسبوع الماضي، كما خرج مدير عام المالية على الأصول القانونيّة التي ترعى شؤون الموظفين، والتي تقضي بالحصول على إذن الوزير المختصّ على الظهور الإعلامي، وهو الوزير الحالي علي حسن خليل.

 

للقفز فوق هذه العقدة "الشّكلية" اتّكل سعادة المدير العام على قُوّة "الرئيس القوي"، فشنّ هجوماً قاسياً على الرئيس السنيورة (وإن بأسلوبٍ غير مباشر)، مُتّهماً إياه بـ "تخريب" وزارة المال بدل تنظيمها وتحسين أدائها خلال فترة تولّيه شؤون هذه الوزارة، وللأسف الشديد، وبدل أن يستفيد المواطنون من إطلالة المدير "البهيّة" بكشف كافّة الثغرات والمخالفات والارتباكات وسوء الإدارة ونهب المال العام خلال فترة عشرين عاماً من توليه أعلى منصب إداري في وزارة المال، اكتفى السيد بيفاني بالتّبجُّح ببعض الإنجازات الإدارية، والتي هي جزءُ من مسؤولياته ووظيفته، وقد تأخرّت حوالي  عشرين عاماً، أمّا فضائح "مغاوير"  الوزارة، والتي هي على كلّ شفةٍ ولسان، فلم يتطرّق إليها المدير إلاّ بالعموميّات والألغاز والتّلميحات التي تضيف مزيداً من الغموض والابهام، وتستدعي التّعجُّب ومطّ الشّفتين، لينتقل بعدها للانتصار لكرامته الشخصية، والهجوم على الرئيس فؤاد السنيورة، الحلقة الأضعف في "همروجة" مكافحة الفساد هذه الأيام، مع العلم أنّ السنيورة كان قد غادر وزارة المال منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ليتناوب بعده على مسؤوليّتها الوزير الشهيد محمد شطح وريّا الحسن ومحمد الصفدي قبل أن يضع يدهُ عليها منذ فترةٍ طويلة الرئيس نبيه بري بشخص الوزير الحالي علي حسن خليل.

 

إقرأ أيضًا: هل يكون الرئيس السنيورة آخر ضحايا الحريريّة السياسية

 

نقول أنّنا لم نستفد من من مؤتمر المدير العام شيئاً جديداً وبنّاءً يمكن الاستفادة منه في ما تبقّى من عمر هذا العهد "القوي"، باستثناء ظبط الهبات التي تأتي وتذهب دون المرور بالمغارة الطبيعية "وزارة المال"، مع الاستثناء الدائم ل"الهبات" الإيرانية التي تكاد لا تنقطع، وقد يعذركم اللبنانيون على ضياع بعض الهبات أو وضعها في غير محلّها المناسب، إلاّ أنّهم لن يسكتوا بعد اليوم عن الارتكابات والمخالفات العديدة في مرافق الدوائر العقارية والجمارك والمرافئ والتّهرُّب الضريبي ورصد الموازنات الخيالية للسّفر والمهمّات الخاصة والعمل خارج الدوام بأجر (لموظفين لا يعملون ضمن الدوام الرسمي وقد لا يحضرون البتّة)، ورصد الأموال الطائلة لموازنات الرئاسات الثلاث، وكلفة السيارات العامّة التي تُعدُّ بالآلاف (ومعظمها تذهب للاستعمال الخاص)، للأسف الشديد مرّةً أخرى، سمعة وزارتكم، قبل مجئيك وعلى الأرجح بعد رحيلكم، سيّئة جدّاً، لا يُغطّيها هجوم شخصي على وزيرٍ واحد (ولا نُزكّيه مع تياره، فالنفس أمّارةٌ بالسوء) إلاّ أنّ "أحدهم" كما رأيت أن تُشير إلى الرئيس السنيورة، ليس العلّة الوحيدة أو الأخيرة، وإن كان هو "الكبش" المرشّح هذه الأيام لفداء طبقة فاسدة عن بكرة أبيها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، منذ إبراء الجنرال عون "المستحيل"، والذي أضحى مُمكناً ومُتاحاً منذ أن "شرّف" الرئيس الحريري من منفاه "الإختياري" حاملاً على كتفيه الجنرال عون رئيساً للجمهورية.

 

المختصر، ولعلّه المفيد أنّ "عونيّاً" آخر كشف عن وجهه بالأمس ليُكمل حملة التّشهير بالرئيس السنيورة، الحملة التي أدّت للأسف، إلى شبه اصطفافات طائفيّة ومذهبية لحمايته بالخطوط الحمراء، طالما أنّ البطاقات الحمراء متوفرة في طول البلاد وعرضها.

 

في غابر الزمان، أوصى أحد أكاسرة الفُرس خازن ماله: لن أمدحك على حفظ قنطار، ولن أُسامحك على ضياع درهم.