(لمناسبة العيد العالمي للمرأة)

قد تكون مقولة "أم الصبي" مستوحاة من حكاية الملك سليمان الحكيم، الذي حكم بإعطاء الصبي إلى الأم التي رفضت شطر الصبي شطرين، وذلك حرصا منها على حياة ابنها حتى ولو أخذته امرأة أخرى.

أصبحت المقولة تذاع للدلالة على حرص شخص ما على حياة شخص آخر ومصلحته، او على مصلحة مؤسسة وجماعة وبلد، الأمر الذي سمح للحاكم "الرجل"، بأن يستولي على المقولة ويدعي بأنه هو "أم الصبي"، عندما يتعلق الأمر بالحرص على المصلحة العامة والاقتصاد والامن والوطن بشكل عام.

بسحر ساحر تحول الحاكم إلى أمّ، أي الى امرأة، في حين انه في الأساس هو هذا "الصبي" الذي أصبح مع العمر رجلاً وحاكماً.

المشكلة هنا ليست فقط في استيلاء الرجل على صفة الأم، بل في أن هذه الصفة يستخدمها حكام لا يكترثون للمصلحة العامة بل يدوسون هذه المصلحة من اجل مصالحهم الخاصة.

اي ان الحاكم، الذكوري في الاجمال، يلبس قناع المرأة ليغطي قبح وجهه، عندما يريد أن يخدع شعبه ويدّعي الصلاح، في حين ان ممارساته تدل على العكس.

المبادرات الأخيرة لثلاث سيدات لبنانيات في موقع المسؤولية، جاءت لتفضح الخدعة، وتظهر بالممارسة ان المرأة هي "أم الصبي".

النائبة بولا يعقوبيان لم تمنح الحكومة الثقة واتهمت احد أبرز رموزها ورموز العهد بإجراء صفقة مالية في قطاع الكهرباء. كما انها دعت لاعتماد سياسة ضرائبية بديلة وعادلة. و"الصبي" الذي يجري الدفاع عنه هنا هو المال العام والعدالة الاجتماعية.

الوزيرة ريا الحسن أعلنت نيتها فتح نقاش وطني حول الزواج المدني، على رغم توقعها للحملات الرافضة التي نظمتها بالفعل المرجعيات الدينية. و"الصبي" الذي يجري الحرص عليه هنا هو حرية الأفراد والمساواة بين المرأة والرجل والدولة المدنية.

النائبة رولا الطبش المسلمة، حضرت قداسا في كنيسة وتقدمت من الكاهن عندما حان وقت المناولة، فوضع هذا الأخير كأس القربان على رأسها. وعلى رغم اعتذارها لاحقا إلى مرجعيتها الدينية بعد الضعط عليها، الا انها عبرت من خلال سلوكها في الكنيسة عن حرصها على حرية المعتقد وعلى احترام المعتقدات الدينية الأخرى وقبولها.

ليس مصادفة ان تقود نساء معارك من اجل العدالة الاجتماعية والحقوق والحريات المدنية، فهن من بين الأكثر تضررا من النظام الطائفي المقيد للحريات والمنتقص الحقوق، وكذلك الأكثر تضرراً من النموذج الاقتصادي القائم على التوزيع غير العادل للثروة وعلى الفساد وسرقة المال العام.

اعرف ان الحركة النسائية لا تحبذ حبس المرأة في دور "الأمّ"، وهي ترتاب ربما من وصفها بـ"أمّ الصبي".

فالمجتمع الذكوري في هجومه على حقوق المرأة وعلى المساواة بينها وبين الرجل، استخدم واقع كونها "أمّاً" ليحاول حصر دورها في مسألة الإنجاب وتربية الأولاد والاهتمام بالأمور المنزلية.

لذلك كان رد فعل الحركة النسائية أحيانا بتضخيم اهمية الأدوار الأخرى للمرأة، في العمل والمجتمع والسياسة، على حساب دور الأمومة.

اعتقد ان من مصلحة الحركة النسائية الخروج من حالة رد الفعل، واعتماد استراتيجيا نضالية تعطي موقعا اهمّ لدور الأم، إلى جانب الأدوار الأخرى.

اي أن المطلوب تحويل دور المرأة كأمّ، من موقع دفاعي إلى موقع هجومي، وذلك على الاقل للأسباب الآتية:

- بعد عالمة النفس التحليلي، ميلاني كلاين، جرى توضيح دور الأم الكبير في السنوات الأولى من حياة الطفل، وذلك في مجال تكوين ملامح شخصيته وفي علاقته بالعالم الخارجي بشكل عام. أضف الى ذلك دورها الاساسي، من خلال علاقتها اليومية بالاولاد، في بلورة مواقفهم تجاه الكثير من القضايا، بما فيها العلاقة بين الرجل والمرأة ومسألة المساواة.

- يتفق معظم المعالجين النفسيين، في العالم وفي بلادنا خصوصا، على الدور الأساسي التي تلعبه العلاقة بالأم في تكوين الاضطرابات النفسية.

- يجري تنظيم الأمهات في بلادنا من خلال جمعيات ذات خلفيات دينية او ذات أهداف خدماتية، في حين انهن خارج الاهتمامات التنظيمية المباشرة للحركة النسائية. هذه الجمعيات في الاجمال، لا تعير اهمية لحقوق المرأة وللمساواة بينها وبين الرجل.

نعم، المرأة هي "أمّ الصبي" وأمّ البنت طبعا.

هي أمّ المواطنين جميعا، نساء ورجالا، حكاما ومحكومين، طائفيين وعلمانيين، عنفيين ولاعنفيين، أغنياء وفقراء، ظالمين و منصفين، مستبدين وديموقراطيين، الذين هم مع التمييز ومع المساواة، بين المرأة والرجل، او بين الطبقات، او بين الأعراق.

المجتمع الذكوري يقول للمرأة: أنتِ أمّ، والبيت هو مكانك ومجالك.

احلم بأن اسمع المرأة تصرخ عاليا في وجه جميع الأشخاص والمؤسسات السياسية والدينية، الذين يقفون في وجه حصولها على حقوقها المتساوية مع الرجل، وتقول لهم:

"نعم انا هي الأمّ، أمّ الصبي وأمّ البنت، وأمّكم جميعاً. سأربّيكم من جديد،

على المحبة والعدالة والمساواة، وقد أصفعكم اذا قللتم احترامي، كبنت أو كأمّ او كامرأة. فالتغيير يبدأ معي، ومن خلالي، وفي بيتي".