إتّهام بعض المعارضين للتسوية وقواها السياسية الـ 14 آذارية بأنها أدّت الى سيطرة «حزب الله» على القرار اللبناني رئيساً وحكومة ومجلساً، لا ينزل برداً وسلاماً على مَن عقدوا التسوية وفي طليعتهم «القوات اللبنانية» التي تتحسّس تحديداً إزاء هذا الاتهام، خصوصاً عندما يصدر عن معارضين، إذ وصل بها الحدّ الى نعتهم بـ«العُطلجيّة والمنظّرين الفاقدي الشرعية الشعبية».
 

وفي طليعة هؤلاء الذين لم تُسمّهم «القوات» الدكتور فارس سعيد الذي حوّل موقعه على «تويتر» منصّةً لمهاجمة التسوية الرئاسية ونتائجها، وهو هجومٌ ضمني على أحزاب التسوية، يطاول خصوصاً الحزب المسيحي الأبرز، أي «القوات اللبنانية».

يكاد يكون هذا السجال يومياً، بالمباشر وليس بالواسطة، فـ«تويتر» سعيد كمكتبه الجديد وارث «الأمانة العامة» في الاشرفية، خلية سياسية تنتج الأفكار والمعارضات، ويتهمها أرباب التسوية، بأنها تُزهِر ولا تُعقِّد، لا بل إنها تستهلك من الاقلام في كتابة البيانات السياسية، ما يكفي للدلالة على أنّ هذه المجموعة، تكتفي بالتنظير، وتلوم القوى الوازنة شعبياً، على تخاذلها من دون أن تراعي منطق أنّ على هذه القوى مسؤولية حين تُعارض، وأنها لا تمتهن حِرفة كتابة البيانات، لأنّ لمعارضتها نتائج في حُكم حجمها ودورها وتأثيرها.

لعلّ أكثر طُرفة يردّدها سعيد نقلاً عن زميله السابق منصور البون أنّ الأخير أخذه جانباً في أحد اجتماعات «قرنة شهوان» ليقول له بلهجته الكسروانية عن الراحل سمير فرنجية: «كم دزينة قلام بِدو بالشهر؟» في إشارة الى أنّ فرنجية السياسي والمفكّر غزيرُ الإنتاج في الأفكار التي تصنع السياسات.

طرفة أخرى يردّدها سعيد، نقلاً عن شخصية مرموقة علّقت على حادثة محاولة اغتيال قطب مسيحي وردة فعله المسالمة، إذ قال: «شغلة سمير وفارس بيكتبوا بيانات مش هوي»..

وكأنّ الامر يتكرّر اليوم في النقاش حول ما اذا كانت الحكومة هي «حكومة حزب الله» أم «حكومة التسوية المتوازنة». كتبة البيانات ينمّرون على أصحاب العضلات، والتنمير يصل الى حدّ الاتّهام بالاستسلام.

في هذا السجال المفتوح، الذي وصل في مرات عدة الى حملات «تويترية»، حدث في المجلس النيابي أمس ما اتّخذته «القوات اللبنانية» دليلاً على أن لا الحكومة «حكومة حزب الله» ولا المجلس النيابي «مجلس أكثرية حزب الله».

في المجلس النيابي حاول «حزب الله» تأمين أكثرية لانتخاب النائب ألبير منصور عضواً في هيئة محاكمة الرؤساء والوزراء، وأصرّ على هذا الانتخاب، فكانت النتيجة أن حصل تقاطعٌ بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي أحبط انتخابَ منصور، وكل من هذه القوى كانت له حساباته.

فالتيار عارض انتخاب نائب محسوب على «الحزب» مفضّلاً أن لا يأخذ من الحصة المسيحية، و«القوات» و«المستقبل» و«الاشتراكي» عارضوا انتخاب منصور لأنه حليف لـ«حزب الله»، وكانت النتيجة تأكيد لعدم وجود أكثرية واضحة لأيٍّ من الأطراف.

تعدّد مصادر «القوات» أدلّة أخرى لدحض اتّهام الحكومة بأنها «حكومة حزب الله»، بدءاً من الموقف السعودي بالسماح للمواطنين السعوديين بالعودة الى لبنان التي أعلنها المستشار نزار العلولا، مروراً بزيارات المسؤولين الأميركيين التي تتعاطى مع الحكومة ليس في اعتبارها واقعة تحت نفوذ «الحزب»، وإلّا لما كانت الديبلوماسية الأميركية حطّت في بيروت، وصولاً الى الموقف الأوروبي الداعم للبنان من خلال مؤتمر «سيدر»، الذي لا يمكن أن يُعقد لولا وجود ثقة بالتعامل مع لبنان.

على الأرجح لن تؤدّي هذه الأدلّة الى وقف السجال الطويل، فالمقتنعون بالتسوية ومعارضوها، لا يملكون القدرة على العودة الى الوراء، ولا على تنظيم الخلاف، الذي وصل الى حدِّ نبش دفاتر التحالف الرباعي والمسؤولية عنه من باب المقارنة بالتسوية الرئاسية.

عن هذا الاتّهام قال سعيد لمَن اتّهمه بـ«أبوّة» التحالف الرباعي: «دخلنا في التحالف الرباعي بغطاءٍ دوليّ وعربيّ، لكي نجري انتخابات نيابية، ونحصل على قانون العفو، ونقرّ المحكمة، واعتقدنا عن خطأ أنّ «الحزب» سيعود الى لبنان بشروط الدولة، لكن ماذا عن التسوية التي قمتم بها أنتم؟ لقد قمتم بها تحت رعاية الوصاية الإيرانية وأدّت الى وضع «حزب الله» يده على لبنان وعزله عربياً ودولياً».