قبل أن يغادرها الموفدان الأميركي والفرنسي حلّ في بيروت موفدان الماني وبريطاني بعد اقل من اسبوعين على زيارة موفدين سعودي وإيراني وهو ما جعل بيروت قبلةً للعالم كله. وقبل أن يتصفّح المسؤولون اللبنانيون التقارير التي تحدثت عن نتائج هذه الزيارات طُرح السؤال ما الذي يوحي بهذه الهجمة الدبلوماسية وعلامَ التقى أصحابها وعلام افترقوا؟
 

بالتأكيد لم يشكل تأليف الحكومة العتيدة المناسبة الحقيقية والمنطقية التي قادت الى حركة الموفدين والمبعوثين الدوليين والأممين في اتّجاه بيروت بمقدار ما شكلت مناسبةً برتوكولية للتعبير عن كل أشكال الإهتمام الدولي والإقليمي بالوضع في لبنان والمنطقة.

فقد تعب العالم وهو ينادي اللبنانيين طوال تسعة أشهر بضرورة الخروج من نفق الأزمة الحكومية، في وقت كانوا ينفون وجود ايّ أصابع إقليمية أو دولية أعاقت تأليف الحكومة قبل أن تنتهي عملية المحاصصة وتوزيع الحقائب والمواقع بين «المجموعات اللبنانية المتحدة» في مجلس النواب و«حكومة الوحدة الوطنية» التي تحوّلت مجلساً نيابياً مصغّراً.

وعلى رغم حجم الفوارق بين حركة الموفدين الأمميّين المتخصصين والمكلفين متابعة الملفات المتعلقة بالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين من جهة، والموفدين الدوليين العرب والغربيين من جهة أُخرى، فقد شكلت هذه الملفات الإنسانية والإجتماعية جوانب من الإهتمامات المشتركة التي عبّر عنها الجنسان من هؤلاء الموفدين.

والى هذه المسائل التي ستكون على طاولة البحث في مؤتمر «بروكسل 3» في 13 و14 الشهر الجاري فقد غلبت الملفات السياسية ولا سيما منها ما يتصل بالأزمة السورية وبرامج العقوبات القديمة والجديدة المفروضة على إيران وحزب الله، على زيارات الموفدين الديبلوماسيين الآخرين الامر الذي فرض البحث في جوانب من الإهتمامات الدولية وفق مؤشرات اساسية تقود الى العناية الفائقة التي يعبّر عنها بعض الدول بالوضع في لبنان. ومن ابرزها:

- أنّ الحديث المتنامي عن خطورة الوضع في لبنان والذي بلغ الذروة قبل تشكيل الحكومة الجديدة جعل الجميع يتحسّب لما كان متوقعاً.

ولذلك جاؤوا مرحّبين بالتشكيلة الحكومية الجديدة ليعاينوا حجم ما تسبّبت به وعكسته من فرملةٍ لمسلسل الإنهيارات المتوقعة على اكثر من مستوى مالي واقتصادي واجتماعي، هدّد كثيراً من عناصر الستاتيكو الذي يحكم الوضع في لبنان.

- العالم الذي يحشد قواه العسكرية والديبلوماسية في المحاور الدولية الكبرى التي تتحكّم بالأزمات الدولية من سوريا الى اليمن وأوكرانيا، وربما فنزويلا، يجمع على حماية الأمن والإستقرار في الوطن الصغير ويحاول إنعاشه إقتصادياً وأمنياً منعاً لأيّ انفجارٍ يمكن أن يقود الى انتشار معاناته في اكثر من دولة في المنطقة والعالم. وسط مخاوف من أن تطاول أولاً الدول الأقرب الى حوض البحر المتوسط، وتحديداً اوروبا التي غرقت في آتون موجة النازحين السوريين بعد العراقيين والليبيين وغيرهم من الجنس الأفريقي الذي يهدّد الدول المقابلة لها من الحوض عينه، من إيطاليا وجزرها حتى الشواطئ الإسبانية.

- شكل لبنان من خلال موقعه الجغرافي هدفاً كبيراً لمجموعة الدول التي فرضت عقوبات مختلفة على إيران و«حزب الله» في اعتباره المنطقة التي تشكّل متنفّساً للأزمة السورية، ومن أقرب المواقع التي يمكن معاينتها من خلاله. فشمول هذه العقوبات «حزب الله» واصدقاء إيران فتح العيون على الوضع في لبنان اكثر من أيّ بقعة في العالم وتحوّل منصة تطلق من خلالها المواقف على رتابتها، وخصوصاً المستنسَخة منذ سنوات عدة.

على هذه الخلفيات، فُهِمَت التحذيرات التي أطلقها الموفد الفرنسي بيار دوكان على شكل نصائح ومعادلات مطلوبة بإلحاح قبل دخول المراحل التي تترجم مقررات «سيدر 1»، وهو المكلّف إدارة مراحل التنفيذ وتوفير الظروف التي تسمح بتسييل ملياراته لتأتي بالنتائج المرجوّة منها.

وبغية تطبيق العقوبات المفروضة على «حزب الله» كانت زيارة الموفد الأميركي حاملاً معادلة جديدة بُنيت على قاعدة «لن نحكم على النيات والإشاعات فما نراه ونتثبت من وجوده نحكم عليه، فلا ثقة لدينا بالمسؤولين اللبنانيين ووعودهم، وعيوننا مفتوحة لمراقبة وإحصاء أيّ مخالفة، ومتى ارتُكبت لن نرحم بمقدار ما يحقّ لنا من دون المَسّ بأمن لبنان واستقراره».

ومن هذه الخلفيات جاء الموفد البريطاني الى بيروت على وقع العقوبات الجديدة على الجناحين العسكري والسياسي في «حزب الله» وقد سبقه تأكيد وزارة الخارجية أنّ «قرار تصنيف «الحزب» لا يؤثر على دعمنا للبنان».

وهو ما يطمئن اللبنانيين الى أنّ كل الدعم الذي تقدمه بريطانيا للأفواج المكلفة حماية الحدود البرية للبنان مع سوريا مستمرّ ومعه الدعم التقني والعسكري المقدَّم الى الأجهزة الأمنية الأخرى بلا أيِّ تعديل.

أما الموفدان السعودي والإيراني فقد ثبت بـ«الوجه الشرعي» انّ الأول الذي زار لبنان استبق زيارة إيرانية لـ«الإحتفال» الذي اراده وزير خارجية ايران بالإنتصار مع «الحزب» على الساحة السورية قبل أن يقع في شباك أزمته الداخلية مع العسكر والحرس الثوري الإيراني تحديداً، فيما سيكون الدعم السعودي مقياساً لحجم استعدادات الرياض لدعم لبنان بديلاً من طلب أيِّ دعم إيراني لا يمكن ترجمته في بيروت بفعل العقوبات المفروضة على طهران.

وبناءً على ما تقدم، يمكن للمراقبين الديبلوماسيين أن يتيقّنوا أنّ «الهجمة الديبلوماسية» لم تكن متناسقة الى حدٍّ بعيد، فلكلٍّ من الموفدين موّاله وإن التقوا على شيء فقد التقوا على أنه يجب أن يبقوا الى جانب لبنان منعاً لأيّ خطأ يمكن أن يُرتكب ويوقِعه في المحظور الذي يجب تلافيه.