من البديهي والطبيعي أن يكون الفساد هو الموضوع الرئيسي، سياسياً وقانونياً وشعبياً ومالياً ووطنياً. وكل يوم. ولكن الى متى نبقى نغمِّس لقمتنا وأقلامنا في صحون من الأبهام والأوهام؟ والى متى يبقى الفساد أقرب الى اشاعة حرب بين الماء والنار؟

كتبنا عشرات المقالات. وقرأنا مئات الحكايات والقصص عن حقل الفساد، انما من دون توجيه تهمة الى حجر معيّن أو ثمرة معيّنة، أو مزارع معيّن، أو متَّهم كامل الأوصاف والأسماء والتهم المدعمة بالأدلة الثبوتية؟ الفساد موجود بكثافة، وفي كل مكان، حتى في الأنهر والينابيع ولقمة الأكل من أي صنف أو نوع كانت. ولكن…

الى متى سنبقى نخبِّر ونصيح غَضَباً في أثر فساد تدور شبهاته حول أشخاص يهمسون بأسمائهم وحالاتهم، لكنهم ينكرون في العلن أن يكون لديهم أي علم أو أية معرفة، ولو بفاسد واحد. أو حادثة واحدة؟ فالى متى؟ أإلى أن يتوقّف الفساد والفاسدون تلقائياً، وبكل طيبة خاطر؟ أم الى أن تتحوَّل هذه التهم الهوائية العامة، والمجرَّدة من كل أنواع الإثبات، والحقائق، والوقائع؟

لا إجابة عند أحد. البلد يغلي منذ سنين وأشهر وأيام وساعات، واليوم وغداً.

وكلما دقَّ الكوز بالجرة، الحديث الأول والأبرز هو الذي يدور حول الفساد. فساد بالمطلق. فساد يتحرّك منه لحاله ووحده. فساد يلتهم الأخضر واليابس، ينخر المؤسَّسات والمشاريع والجبال والأرض والبحر، وما من أحد شاهد أحداً يفعلها. أو عرف أحداً فعلها. أو سمَّى أحداً من فاعليها.

بلى، الفساد موجود بكثافة كما ذكرنا. وهو الموضوع الرئيسي بالنسبة الى الحكم، والمسؤولين الكبار، والمعنيّين الكثر. إلّا أن أحداً حتى الآن لم يخضع لتحقيق، أو يُشار اليه بالبنان والقانون ورسمياً. وهنا المشكلة. بل هنا الكارثة: ليقولوا ما يشاؤون، وليتحدّثوا نهاراً وليلاً في موضوع الفساد. غير أن الفساد يضحك في عبّه وبأربع وعشرين كيفيّة.

هنا دور الحكومة والمؤسَّسات المعنية، والمسؤولين الذين أُوكلت اليهم مهمات تمر حتماً في “أرض الفساد”. يقتضي الأمر والوضع الانتقال من صحن الحديث الدائم حول الفساد الى مرحلة اقتحام هذا “الوباء” والمتهمين بـ”صنعه”. وإلّا فلا…

لن تستقيم تهمة الفساد إلّا متى تحوَّلت فعلاً قانونياً. الا اذا انتجت “ثماراً” قطفها القانون. ولن ينال الفاسدون والمفسدون، وشركاؤهم وحُماتهم كما يُقال ويُعلن، قصاصهم قبل أن يخرج القانون الى الساحة، وبصحبته العدالة والادلَّة الثبوتيّة.

وأياً تكن التهمة، وأياً يكن المتهم، وأياً يكن نوع الفساد وحجمه ومشتقاته.

لقد انبرت الأَلسن قبل الأَقلام. وامتلأت صفحات صحف ومجلات وكتب بالتحليلات، والأبعاد، والأرقام، و”المواد” ونوعها، مرفقة بسحبة من الاتهامات المغلَّفة بالابهام والتعميم المطلق، ومن غير أن يهتز غصن لشجرة الفساد أو “أبطاله”.

كيف يكون ذلك؟ وكيف يستمر الكلام؟ وكيف تتراكم التهم؟ آن للحكومة أن تشمّر عن ساعديها. فالأم الحنون لن “تسمح” لـ”سيدر” أن يزورنا الا متى بدأ “قطف” المتهمين فعلاً بالفساد. والّا فلا، تكراراً…