توقعات طبية باستضافة العراق والبصرة تحديدا لوباء الكوليرا في الصيف القادم الذي يأمل منه النظام الإيراني مقايضة التلوث بعودة مياه الأنهار إلى مجاريها الطبيعية، مقابل طابور من الاتفاقيات مع الشركات الإيرانية غير الرصينة.
 

إعلان وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان عن تسديد العراق لـ5 مليارات دولار من الديون التي بذمته والبالغة 6 مليارات دولار، مع تأكيده على إعداد بلاده لخطة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء في العراق خلال السنوات الثلاث المقبلة، هو استباق لزيارة الرئيس حسن روحاني وما يمكن أن تسفر عنه من توقيع اتفاقيات ستكبّل اقتصاد العراق بالأزمة الإيرانية، لتضيف أعباء جديدة لنتائج العلاقات بعد الاحتلال.

فاتورة الديون وما سدد منها يوضح أهم مكامن فشل الحكومات المتعاقبة في حل معضلة توفير الكهرباء لمحافظات العراق، باعتمادها على تعاقدات مجتزأة مع شركات ثانوية رغم أن الشركات العالمية المتخصصة معروفة، ولا تتجاوز أصابع اليد وتحظى بالشفافية والملاحقة القانونية الصارمة ومعايير الجودة والالتزام بالتوقيتات، وتوفر أفضل الفرص لتدريب الكوادر المحلية بما يقلل من نسب البطالة وكذلك الرشاوى.

لكن هذه الشركات لا تنسجم مع سياسة نظام يرتبط بمشروع وعليه سداد ديون مُلزِمة بإدارة موارد الدولة، وفق رؤية المصالح الإستراتيجية التي ترى في تبعية اقتصاد العراق بعضا من تبعية الولاء العقائدي لولاية الفقيه. آلاف المشاريع الصناعية في العراق تعثرت لأنها في حالة إنجازها ستعيق استيراد المنتجات الإيرانية وتخفض من حجم التبادل التجاري وميوله باتجاه إيران، والكهرباء واحد من أهم المنتجات المستهدفة بالفساد أو التخطيط أو حتى التخريب.بعد 16 سنة من الاحتلال كان لا بد من تغيير السياسات الإيرانية في مجال تصدير الطاقة لأن الفضائح تزكم الأنوف، لذلك تتجه طهران وتحت شعار تأهيل الكهرباء للاستحواذ على مشاريع الطاقة لتقطع الطريق على الشركات العملاقة، ومنها الأميركية والألمانية في خطوة استباقية لتقييد العراق كاملاً بالأهداف الإيرانية.

الدور الإيراني في العراق لا يحتاج إلى دليل أكبر من قطع بعض إمدادات الطاقة في الصيف الماضي تحت حجة عدم تسديد المبلغ المتبقي من الديون، ونعني به المليار دولار، وهو ذات المبلغ الذي أعلن عنه وزير الطاقة الإيراني عندما أشار إليه قبل أيام بعدم وجود مشكلة، رغم ما تسبب به القطع من احتجاجات في مدن العراق و في البصرة، ومقتل العشرات من الأبرياء بعد حرق صور الخميني وخامنئي وبعض مقرّات الأحزاب والميليشيات إضافة إلى القنصلية الإيرانية.

معالم التحركات الإيرانية بعد الانتخابات ما زالت قائمة لفرض إرادتها على مصادر أي قرار وطني عراقي ولو بحده الأدنى، في محاولة للحد من تأثير العقوبات على النظام الإيراني، خاصة ضمن الظروف الحالية التي باتت تلقي بظلالها على العراقيين والإيرانيين، بما يدلل على وحدة الهدف في سياسة الأواني المستطرقة لتحمل الأعباء وتخفيفها على الجانب الإيراني، مع احتمال ردة فعل لا يمكن تجاهل ظواهرها الشعبية في إيران والعراق بازدياد حجم الاحتجاجات والإضرابات في قطاعات وشرائح متعدّدة ونقابات كإضرابات المعلمين في البلدين.

الإعلام الحكومي والميليشياوي، وإعلام الأحزاب الطائفية، يهيئ لزيارة الرئيس الإيراني بالسخرية من زيارة دونالد ترامب لقاعدة عين الأسد الجوية، وما رافقها من تحوطات أمنية بإطفاء أضواء الطائرة، في إشارة إلى أن طائرة روحاني ستهبط في بغداد في وضح النهار مع احتمال رمزية إشعال المصابيح رغم عدم الحاجة إليها في تحدّ للتواجد الأميركي على أرض العراق.

سيصل روحاني إلى العراق وفي جعبة نظامه وولاية مرشده ما وصفه ذاته بأنه أصعب وضع اقتصادي مرت به إيران منذ 40 سنة. إيران حسب مؤشر بازل لمكافحة غسيل الأموال تقع في أعلى السلم من بين 149 دولة شملها الاستقصاء بما أجبر نظامها التوقيع على الالتزام ببيان مجموعة العمل المالي (فاتف) الذي أمهل حكومة إيران حتى شهر يونيو القادم للقيام بالإصلاحات بما يتعلق بجرائم غسيل الأموال.

صراع محتدم داخل أروقة ولاية الفقيه بين واجهة الدولة الدبلوماسية التي عبّرت عن ورطتها في العلاقات الخارجية باستقالة محمد جواد ظريف، لعجزها عن تبنّي واجهة سياسات الحرس الثوري، وتوجهات المرشد علي خامنئي بما فيها من تهجم على إذعان السياسة الخارجية لمجموعة العمل المالي، وما طرأ على الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي وتعويل إيران على دول الاتحاد الأوروبي لكسر واقع العقوبات الأميركية.

العراق في هذه المرحلة الإيرانية مطالب بسداد ديون في ذمة السلطة وأحزابها وميليشياتها. ديون لا علاقة لها بالاستحقاقات بين الدول المتجاورة، إنما لتعويض النكبات والمصائب الناجمة عن إرهاب ولاية الفقيه وتمدده في الشرق الأوسط ودول العالم التي كان من نتائجها ما عبّر عنه وزير النفط الإيراني، بيجن زنفته، عن عدم وجود أي طلبات لشراء النفط من دول أوروبا حتى من إيطاليا واليونان وهما دولتان من ضمن 6 دول أخرى مشمولة بالإعفاء، إلا إنهما توقفتا عن استيراده استجابة لمصالحهما الإستراتيجية مع الولايات المتحدة.

نسبة التضخّم في إيران وصلت إلى 39 بالمئة وخط فقر 80 بالمئة، مع بيانات لزيادات في الأسعار سيتم تطبيقها مع بداية السنة الإيرانية في 21 من هذا الشهر على السلع الاستهلاكية في مقدمتها الخبز.

وسط هذه الفوضى الإيرانية هناك توقعات طبية وميدانية باستضافة العراق والبصرة تحديدا لوباء الكوليرا في الصيف القادم، الذي يأمل منه النظام الإيراني مقايضة التلوث بعودة مياه الأنهار إلى مجاريها الطبيعية، مقابل طابور من الاتفاقيات مع الشركات الإيرانية غير الرصينة. طابور يعادل تلك الطوابير التي تتمدد كل يوم في المدن الإيرانية بانتظار فتات من إنسانية مفقودة.