وزير الخارجية الروسي يؤكد، في ختام جولته الخليجية، أن موسكو اتفقت مع الرياض على القضايا الرئيسية.
 
تكثف روسيا تحركاتها هذه الأيام خارج مسار أستانة، الذي على ما يبدو استوفى أهدافه، في محاولة منها لبلورة رؤية جديدة تضمن مشاركة كل القوى الفاعلة بشكل أو بآخر في الصراع السوري.
 
واعتبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الثلاثاء أنه من السابق لأوانه الحديث عن صيغة معينة حول التسوية في سوريا قائلا “ما الصيغة التي سيتم التوصل إليها، وما هي الأطراف التي ستشارك فيها؟.. من المبكر جدا التحدث حول هذا الأمر. هذه القضية ستخضع للبحث”.
 
وسبق أن كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نهاية فبراير الماضي عن خطة لتشكيل مجموعة عمل لتثبيت الاستقرار النهائي في سوريا بعد تحقيق النصر على تنظيم داعش. وقال بوتين إن مجموعة العمل ستضم جميع الأطراف المعنية، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حينها.
 
وتقول أوساط من المعارضة السورية إن روسيا باتت على قناعة بأن احتكار الحل السياسي في سوريا بناء على ما تحقق من استعادة النظام السيطرة على أنحاء واسعة من البلاد غير كاف لإسدال الستار على النزاع المركب الذي راح ضحيته مئات الآلاف من المدنيين فضلا عن ملايين النازحين.
وتضيف الأوساط أن موسكو تدرك أيضا أن حصر التسوية في إطار مسار أستانة الذي ترعاه رفقة إيران وتركيا، تحقيقه ليس ممكنا، وأن هذا المسار استوفى غرضه الذي كان يتمثل في وقف التصعيد في سوريا.
 
ويعود مسار أستانة إلى اجتماع روسي تركي إيراني في يناير 2017 بالعاصمة الكازاخية، بمشاركة وفدين للنظام والمعارضة، وكان الهدف منه هو إقامة مناطق خفض تصعيد في الجبهات المشتعلة التي عاد معظمها إلى سيطرة الجيش السوري على غرار الغوطة الشرقية ومعظم أنحاء محافظتي حماة وحمص. وتواصلت الاجتماعات الدورية بين هذا الثالوث بيد أنها لم تكن ذات أثر فعلي، في ظل تضارب المصالح.
 
وتشير أوساط المعارضة إلى أن مع بروز واقع جديد لعبت الإدارة الأميركية دورا كبيرا في بلورته بقرارها سحب معظم قوات بلادها من سوريا مع اقتراب نهاية تنظيم داعش، واعتماد واشنطن سياسة جديدة تقوم على تكثيف الضغط الدبلوماسي بالتوازي مع التلميح لاعتماد قوات متعددة الجنسيات في شرق الفرات أو ما يعرف بـ”سوريا المفيدة” بالنظر لأن هذه المنطقة تشكل العصب الطاقي والزراعي لسوريا.
 
وفي ظل تنافر وجهات النظر بين مؤثثي إطار أستانة في التعاطي مع هذا الواقع، كل ذلك يدفع موسكو إلى تبني مقاربة جديدة، والسعي إلى تضييق الهوة مع جميع المؤثرين في المشهد السوري.
 
وقام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بجولة خليجية شملت كلّا من الإمارات والكويت وقطر واختتمها (الاثنين والثلاثاء) في السعودية حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وعددا من المسؤولين فضلا عن رئيس هيئة المعارضة السورية نصر الحريري.
 
وكان واضحا من خلال التصريحات أن الغرض الأساسي من الجولة هو البحث في الملف السوري، فيما بدت محاولة لتضييق الفجوة مع الدول الخليجية التي لا تزال على موقفها بشأن ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية عادلة قبل الحديث عن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، أو التطبيع الكامل معها، والمشاركة في إعادة الإعمار.
 
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن العاهل السعودي، اجتمع الثلاثاء، مع وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، حيث تم “بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وآفاق التعاون بين البلدين الصديقين، بالإضافة إلى استعراض المستجدات الإقليمية والدولية”.
 
من جهتها نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله إن لافروف والعاهل السعودي، لم يناقشا مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وأضاف أن لافروف “ناقش مع المسؤولين السعوديين جميع قضايا العلاقات الثنائية، وتطرقوا إلى الأزمة السورية واليمن”.
 
وسبقت لقاء لافروف بالملك سلمان بن عبدالعزيز اجتماعات مع نظيره السعودي إبراهيم العساف ووزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير على مدى يومين، وقال الوزير الروسي الثلاثاء “بالأمس واليوم بحثنا بالتفصيل تلك القضايا مع زملائنا السعوديين وتوصلنا إلى تفاهم حول القضايا الرئيسية”، دون ذكر تفاصيل بشأن ذلك التفاهم.
 
وكان لافروف قد اجتمع أيضا برئيس الهيئة السورية للتفاوض نصر الحريري، في المبنى الملكي بمطار العاصمة السعودية، قبيل مغادرته العاصمة الرياض.
 
وأعرب لافروف، عن أمل بلاده بأن تسهم الهيئة في تعجيل تشكيل اللجنة الدستورية السورية وبدء عملها. ونقلت وكالة سبوتنيك عن الحريري قوله إن المعارضة تعوّل على مواصلة التنسيق مع موسكو على مسار تسوية الأزمة. وكان القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن في 2015، نص على إعادة صياغة الدستور السوري، في إطار عملية انتقال سياسي.
 
ويفترض أن تتألف اللجنة الدستورية من 150 شخصا، يعين النظام والمعارضة الثلثين بحيث تسمي كل جهة 50 شخصا، أما الثلث الأخير، فيختاره المبعوث الأممي إلى سوريا، من المجتمع المدني السوري وهو الأمر الذي لا يزال محل خلاف.
وتزامنت جولة لافروف الخارجية مع لقاءات بين مسؤولين روس وأميركيين بعيدا عن الأضواء وأبرزها اللقاء الذي جمع رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، ونظيره الأميركي الجنرال جوزيف دانفورد، الاثنين في النمسا حيث أكد المتحدث باسم رئاسة الأركان الأميركية، باتريك ريدر، أن المباحثات تضمنت الملف السوري مع التركيز على ضمان عدم تصادم قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والقوات الروسية في سوريا.
 
وكانت روسيا قد استقبلت قبل أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكانت هذه أول زيارة للأخير منذ حادث إسقاط الطائرة الروسية في سبتمبر 2018.
 
وكشف نتنياهو الأحد أنه تم التوصل خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس فلاديمير بوتين في تلك الزيارة إلى اتفاق حول التعاون على تأمين خروج القوات الأجنبية من سوريا، في إشارة إلى القوات الإيرانية والتركية.
 
وأوضح في تصريحات للحكومة الإسرائيلية “اتفقت أنا والرئيس بوتين على هدف مشترك وهو إخراج القوات الأجنبية التي جاءت بعد نشوب الحرب الأهلية من سوريا”. وتابع “اتفقنا على تشكيل قوة مهمات مشتركة ستعمل مع غيرها على إحراز تقدم صوب هذا الهدف”.
 
ولم تفند موسكو تصريحات نتنياهو ما يعكس وجود توجه روسي لتشريك إسرائيل في بلورة تسوية للأزمة السورية لن تكون الولايات المتحدة بعيدة عنها، وهذا يشكل تطورا خطيرا تنظر إليه إيران بقلق كبير، خاصة وأن هدف إسرائيل والولايات المتحدة الأساسي هو إخراجها من سوريا.
 
وهاجم رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، كمال خرازي، رئيس الوزراء الإسرائيلي. ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية، عن خرازي قوله إن أي تحرك لنتنياهو ضد المصالح الإيرانية سيكون بمثابة انتحار سياسي له .
 
وعلى خلاف المرات السابقة لم ينف رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، وجود خلافات مع روسيا قائلا “رغم وجود بعض الخلافات في وجهات النظر بين إيران وكلّ من روسيا وتركيا فإن لهما أيضا مصالح مشتركة في إرساء الاستقرار في سوريا”. وفي الرد على سؤال حول السبب في زيارة الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام إلى طهران من دون إعلان مسبق قال، “إن هذه الزيارة جرت من دون إعلان مسبق بسبب بعض القضايا الأمنية”.
 
واعتبرت وسائل إعلام روسية أن زيارة الأسد إلى طهران والتي تعد الأولى منذ اندلاع الأزمة، تعكس وجود قلق لديه من التحركات الروسية.
 
وتدعم كل من روسيا وإيران الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الأزمة، بيد أن لكل منهما حساباته الخاصة، الأمر الذي يجعل من إمكانية اهتزاز العلاقة بين الطرفين واردة وبقوة.