تُسرع «حكومة إلى العمل» في قراراتها وكأنّها «تموتُ غداً»، ولو أنه مقدّرٌ لها أن تبلغ الرابعَ من عمرها «بكامل دسمها»، قبل تحوّلها حكومة «الثلاثين رئيساً» أو انتقالها إلى مقاعد تصريف الأعمال.
 

بعد جلستين تمهيديّتين، ها هي الجلسة الثالثة «تبلّ يديها» بمستنقع التعيينات لتبدأ بشقها الأمني من خلال تعيين أعضاء المجلس العسكري، وتفتح باباً شاسعاً أمام «بازارِ» مفاوضاتٍ عابر للمقار السياسية، تمهيداً للتفاهم على «سلّة» تعيينات قد تكون إستثنائيةً في تاريخ الإدارة اللبنانية نظراً لضخامة حجمها.

إذ يبدو وفق المعلومات، أنه حتى تاريخ أيار المقبل، ستكون الإدارة اللبنانية في حالة شغور 51 مركزاً من الفئة الأولى و49 مركزاً من الفئة الثانية، فضلاً عن عشرات أعضاء مجالس الإدارة والهيئات الناظمة المنتظر تسميتُها.

وحسب جدول الأعمال الموزّع على الوزراء، ستتولّى الحكومة تسمية أمين عام جديد لمجلس الوزراء خلفاً لفؤاد فليفل الذي أحيل إلى التقاعد، حيث تشير المعلومات إلى توجّهٍ لتسمية القاضي محمود مكيّة الذي تمّ التداولُ باسمه خلال مفاوضات تأليف الحكومة، وزيراً للداخلية من حصة رئيس الحكومة سعد الحريري. كذلك طُرح تعيينُه محافظاً لجبل لبنان عام 2017، ولكن لم يمرّ.

عملياً، بدأت القوى السياسية عملية التدقيق المباشر بالمواقع الشاغرة، لا سيما منها تلك التي تحمل «لافتتُها» منصباً من الفئة الأولى، خصوصاً أنّ الرسم البياني لمفاوضات التأليف يشي بنحو واضح أنّ زمن الاحتكار الطائفي ولّى، وأنّ أيَّ فريق سياسي لن يكون في استطاعته وضعُ يده على حصة طائفته، وبالتالي إنّ التعددية السياسية ستكون سمة المرحلة المقبلة، واستطراداً سمة التعيينات الإدارية.

وعلى رغم ذلك، هناك مَن يخشى أن تتحوّل التفاهمات السياسية وسيلة ضغط تؤدي إلى استبعاد أو عزل بعض القوى السياسية المشاركة في الحكومة، ومنها مثلاً «القوات اللبنانية» التي تخشى من أن يدير الحريري ظهرَه لمطالبها، ويغضّ الطرف عن سعي حليفه الجديد، رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لوضع يده على كل الحصة المسيحية.

حتى الآن، تفيد المعلومات أنّ المشاورات الثنائية لا تزال مستمرة بين «حزب الله» وحركة «أمل» في شأن المواقع الشيعية، في حين أنّ الكلام لا يزال في العموميات بين بقية القوى السياسية، في وقت يبدو أنّ المعيار الوحيد المعتمد في هذه التعيينات، هو المعيار السياسي، بحيث يغيب الحديث عن اعتماد أيِّ آليّة علمية من شأنها أن تواكبَ حملاتِ المزايدة تحت عنوان مكافحة الهدر والفساد.

عملياً، سيحاول باسيل تعزيزَ حضوره في الإدارات العامة من خلال «زرع» المحسوبين عليه في مختلف القطاعات والمرافق بغية تسهيل الحصول على الخدمات وتجييرها في استحقاقاته الانتخابية، ولو أنه يعرف جيداً أنه في حال لم يحالفه الحظ وسُحبت ملعقةُ الرئاسة من «حلقه»، فإنّ رجال الإدارة سيتحوّلون «رجالَ العهد»، بمعزلٍ عن هوية الرئيس الذي سيجلس على كرسي بعبدا.

ويتّكل باسيل على العلاقة التفاهمية التي تجمعه بالحريري، وهو متأكد من متانتها، وأنّ «نزاعَ مقدمات الأخبار» لا يقدم أو يؤخر في العلاقة، كونها مبنيّةً على أسس متنية، قد تدفع برئيس الحكومة إلى ترك رئيس «التيار الوطني الحر» يتفرّد بمعركة الحصص المسيحية بحرية، وبلا أيّ منازع.

في المقابل، يقول مطلعون إنّ الحريري لن يفرّط بتحالفه مع «القوات»، على رغم كل المطبات التي عكّرت صفوَ العلاقة بينهما، وهو بالتالي سيدافع عن حصتها، قدر المستطاع.

أما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية فيتّكل على ورقة ضاغطة في يديه، وهي حالات الشغور المتعددة التي تسود وزارة الأشغال العامة والتي تسمح له بالتفاوض مع بقية القوى، وتحديداً «التيار الوطني الحر» من موقع المرتاح.