الوضع الإقتصادي اللبناني دقيق والضغوط الخارجية كبيرة كيف سيواجه لبنان هذه الاستحقاقات؟
 

مما لاشك فيه أنّ الحكومة التي شُكّلت بصعوبة بالغة ليست فريقاً منسجماً قادراً على الإنتاج، بل مجموعات متناحرة أنهت صراعاً مريراً في سبيل التمركز داخل جنّة الحكم، وتفرغت لحروب الإستئثار السياسية والمالية.

 

الأمر الذي أبقى واقع البلد تحت المجهر الدولي. وبناءً على ذلك تتوالى الضُغوط الدَوليّة المُباشرة وغير المُباشرة على لبنان، لحمله على تنفيذ إصلاحات إقتصاديّة وماليّة تُمثّل الطريق الطبيعي للإستفادة من مُقرّرات مؤتمر سيدر بالدرجة الأولى، وللبدء بالنُهوض على مُختلف الصُعد. فما هي الخُطوات المُنتظرة من لبنان،وهل بدأ لبنان الرسمي تنفيذ الإصلاحات فعليًا، وأين يكمن خطر تحويل عمليّات الإصلاح إلى تشفّ سياسيّ؟ 

 

سبق وذّكرنا سابقاً بموقف الموفد الفرنسي الذي اعتبر انه من غير المقبول استباحة الوقت خصوصاً وهوالمُكلّف مُواكبة تنفيذ التعهّدات اللبنانيّة الرسميّة الخاصة بمؤتمر سيدر، طالب خلال جولته الأخيرة على كبار المسؤولين الرسميّين في لبنان، بضرورة الإسراع بإقرار المُوازنة العامة للعام 2019 الحالي، وكذلك بضرورة الإسراع بالبدء بتنفيذ الإصلاحات الإداريّة والماليّة، باعتبار أنّ وحدها هذه الإشارات الإيجابيّة كفيلة بتطبيق قرارات مؤتمر سيدرمن جانب المُجتمع الدَولي، لا سيّما لجهة تحريك الهبات والقروض المُيسّرة التي وافقت مجموعة من الدول والمؤسّسات والصناديق المالية الدَوليّة على توظيفها في لبنان لتنفيذ العديد من المشاريع ومن الإستثمارات المُفيدة.

 

إقرأ أيضًا: موقف حازم للموفد الفرنسي: لم يعد مقبولا الانتظار

 

وترافقت هذه المطالب مع قيام وكالة ساندرد آند بورز بإبقاء التصنيف الإئتماني السيادي للبنان عند باء سلبي، مع تغيير النظرة المُستقبلية من مستقرّة إلى سلبيّة، ما يعني أنّ على لبنان التحرّك سريعًا لإستعادة ثقة المُجتمع الدَولي ولإظهار جديته في مُواجهة الفساد وفي إدخال الإصلاحات المالية والإقتصاديّة التي طال إنتظارها. 

 

وإذا كان تحريك ملفّ التعيينات الإداريّة، وإعادة تحريك عجلة الدولة ككل يصبّ في خانة البدء بالإستجابة الى حدٍ ما لمطالب المُجتمع الدَولي، ألا أن التلهّي بخلافات سياسيّة وبعمليّات شدّ حبال مُتبادلة بدلاً من إطلاق سياسة ماليّة جديدة ومتطوّرة تضبط الهدر وتحدّ من النفقات، من شأنه حرف الأنظار عن الأهداف الفعليّة المطلوبة.

 

والأمر الآن رهن أسلوب تصرّف الدولة اللبنانيّة إزاء موضوع الإصلاحات، حيث أنّ العناوين لا تُبشّر بالخير، باعتبار أنّ التركيز على مرحلة زمنيّة مُحدّدة دون سواها والمُطالبة بكشف مصير الأموال التي صُرفت خلالها يصبّ في خانة التشفّي السياسي ضُد أفرقاء سياسيّين مُحدّدين، من دون أن يكون له أبعاد إصلاحيّة فعليّة.ففترة رئاسة فؤاد السنيورة للحكومة سابقاً مثلاً كانت شهدت أصعب المراحل السياسيّة والأمنيّة بتاريخ لبنان الحديث، وتسليط الضوء على المُخالفات الماليّة فيها، دون باقي المراحل، سيُؤدّي إلى تقوقع سياسي وطائفي ومذهبي من شأنه أن يفشل أيّ إصلاح فعلي، وأيّ مُحاسبة إصلاحيّة جدّية يوجبُ أن يفتح الباب لاصلاحات وحساب من اقترف منذ بدء تصاعد الدين العام في لبنان من أعلى الهرم وحتّى أسفله دون أي استثناءات. 

 

أما بالنسبة إلى موازنة 2019 فأن كل الأرقام التمهيديّة لا تُبشّر بالخير بدورها، حيث أنّ العجز واضح نتيجة ضُعف الواردات وكثرة المصاريف والديون المُستحقّة، في ظلّ المُباشرة بعمليّات صرف الأموال قبل إقرار المُوازنة، علمًا أنّ إعادة التوازن إلى ميزان الواردات والمدفوعات هو أحد الشروط الأساسيّة لإنجاح أيّ إصلاحات على المُستويات الماليّة والإقتصاديّة والحياتيّة.

 

إقرأ ايضًا: هل بدء البحث عن بديل للأسد؟

 

وعلى خطّ آخر، لا يُمكن فصل مُقرّرات مؤتمر سيدرعن موضوع النازحين السوريّين، حيث يُنتظر أن يكون هذا الملفّ محطّ نقاش مُستفيض خلال الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة، محليًا ودوليًا.

 

وحتى في هذا الموضوع، الأمور لا تُبشّر بالخير، بعد أن أظهر تحريك ملف النازحين تباينًا في النظرة الداخليّة إلى اليات اسلوب المُعالجة، ولا يبدو أنّ الحلّ السياسي لأزمة النازحين السوريين في دول الجوار قد سلك طريقه إلى الحلّ بعد، في ظلّ خشية من ربط بعض المُساعدات للبنان الواردة في بنود مؤتمر سدر بهذا الملفّ.

 

أخيراً الأكيد أنّ الوضع اللبناني الإقتصادي دقيق، وأنّ الضغوط الخارجيّة لا تخلو من الطابع السياسي، ما يستوجب أن يتعامل لبنان الرسمي مع موضوعي مُحاربة الفساد والإصلاح بكثير من الموضوعيّة وبأسلوب مُترفّع عن الخلافات وعن الكباش الداخلي، لأنّ إدخال السياسة في هذا الملف سيُؤدّي إلى نتائج عكسيّة حتميّة ستُفشّل كل الجُهود الإصلاحيّة، وقد يؤدّي إلى تدمير المُساعدات المُنتظرة من مؤتمر سيدرفي مهدها.