هل يكون السنيورة آخر ضحايا الحريرية السياسية؟
 

أولاً: اغتيال الحريري - الأب بداية الانحدار...

 

تعرّضت الحريريّة السياسية الناشئة أوائل تسعينيات القرن الماضي، الوافدة من المملكة العربية السعودية بشخص الرئيس الراحل رفيق الحريري، لهزّة عنيفة باغتيال مؤسّسها وراعيها عام 2005، هزّة كان من الممكن أن تُطيح بها لولا الالتفاف الجماهيري حول الأسرة الحريريّة الذي أعقب الاغتيال، والفضلُ الأكبر لاستمرار الحريريّة السياسية كان التّماسُك السياسي للقوى المعارضة للوصاية السورية على لبنان قبل الاغتيال وبعده، ممّا سمح لنجل الرئيس الراحل السيد سعد الحريري أن يملأ فراغاً مُؤقّتاً في قيادة تيار المستقبل (الذي أورثهُ إياه والده الراحل)، وساعدهُ على ذلك نشوء تيار 14 آذار السيادي الذي خاض معركة إخراج القوات السورية من لبنان ، وربحها بعد أشهرٍ قليلة على اغتيال الحريري.

 

ثانياً: إسقاط حكومة الحريري الأولى.. انتكاسة ثانية...

 

مثّل الانقلاب الذي أعدّتهُ القوة المناوئة للحريريّة السياسية والمتمثلة أساساً بحزب الله والتيار الوطني الحر (تيار الجنرال عون)، والذي أطاح بحكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 انتكاسة ثانية وخطرة في مسار انحدار الحريريّة السياسية، إذ تمّ سحب بساط السلطة التنفيذية من تحت تيار المستقبل ورئيسه، وبدل أن يستعدّ الحريري للمواجهة والثّبات في موقعه السياسي (والطائفي والمذهبي)، فضّل الهروب إلى خارج البلد (تحت حُجج المخاوف الأمنية)، تاركاً جمهوره وتيّاره دون رأسٍ وراعٍ، ممّا سمح بنشوء مراكز قوى مختلفة داخل تيار المستقبل، ما لبثت أن فضّلت المهادنة مع حزب الله، الذراع الرئيسيّة التي أخرجت الحريري من "جنّة" الحُكم، ونظّمت معه لقاءات ثنائية طويلة بذريعة حُججٍ واهية كان أبرزها "تخفيف الاحتقان المذهبي"، والذي للأسف، زادتهُ تلك اللقاءات احتقاناً واحتداماً.

 

 

إقرأ أيضًا: حُكم القاضية الجوني وأحكام بلال بن أبي بردة

 

 

ثالثاً: تيار المستقبل يخسر رموزهُ تباعاً...

 

تسارعت وتيرة الانحدار داخل التّيار الحريري بقبول الرئيس الحريري بالفيتو الموضوع على الرئيس فؤاد السنيورة لتولّي رئاسة الحكومة نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، والقبول بترئيس الرئيس تمّام سلام، وأكمل الحريري أخطاءهُ الجسيمة بافتعال مشكلة جانبيّة مع وزير العدل السابق أشرف ريفي، أدّت إلى تقديم ريفي استقالته وانشقاقه عن المسار الحريري المهادن للوصاية الإيرانية حسب رؤيته السياسية، وما لبث وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق أن ثارت بوجهه شبهات فساد في صفقاتٍ عدّة، فضلاً عن تواتر علاقات سرّية مع حزب الله، ممّا أدّى للإطاحة به خارج الحكومة الحالية وخارج تيار المستقبل تالياً، وكان الحريري قد خسر في بيروت النائب السابق وليد عيدو والوزير السابق محمد شطح غيلةً، كما خسر في الشمال القيادي مصطفى علوش، الموضوع دائماً على لوائح الاحتياط البرلمانية والوزاريّة، أمّا الخسارة الكبرى فكانت في صيدا بوضع الرئيس فؤاد السنيورة خارج الندوة البرلمانية، وهو المُعرّض دائماً للتّشهير والتّجريح من قبل خصومه واعدائه، ولربما تعرّض للمقاضاة إن وجد مُناوؤه سبيلاً لذلك، فهل يكون الرئيس السنيورة آخر ضحايا التيار الحريري- السياسي؟ أم أنّ مسلسل الانحدار متواصل!

 

قال الشيباني: أتانا يوماً أبو ميّاس الشاعر، ونحن في جماعة فقال: ما أنتم فيه؟ وما تتذاكرون؟ قُلنا: نذكرُ الزمان وفساده، فقال: كلاّ، إنّما الزمانُ وعاء، ما أُلقي فيه من خيرٍ أو شرٍّ كان على حاله، ثمّ أنشأ يقول:

 

يقولون الزمان به فسادٌ 

 

وهم فسدوا وما فسد الزمانُ.