هل أن في الأفق المنظور والمستتر ما يوحي بأن الحكومة، قادرة على الانتقال إلى مرحلة «سيدر» وإصلاحاته، التي من شأنها أن تنقذ الدولة أولاً وقبل أي أمر آخر من الانهيار التام، أم أن ما شهدناه منذ أول جلسة عقدت لمجلس الوزراء من مشاحنات واختلافات، وخلافات عن قضايا استراتيجية كسياسة النأي بالنفس مثلاً التي أصبحت في خبر كان بعد زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح غريب إلى العاصمة السورية وإصرار فريق 8 آذار على التطبيع مع النظام القائم متخطياً بذلك سياسة النأي بالنفس وسياسة مكافحة الفساد التي تحوّلت إلى مواجهة فعلية بين رئيس الحكومة وتياره وما تبقى من قوى 14 آذار وبين حزب الله وفريقه 8 آذار بعد لجوء الحزب إلى سياسة «نبش» القبور القديمة، واستعادة ملف الاتهامات لتيار المستقبل ولمؤسسه الأول الشهيد رفيق الحريري وصولاً إلى الرئيس فؤاد السنيورة، وقصة الأحد عشر مليار دولار أميركي التي قيل في يوم ما، وفي ظرف سياسي ما ان السنيورة وسياسته الانفاقية من دون موازنة وقطع حساب سنوي تسببت في تكبير الخزينة العامة مثل هذا المبلغ المرتفع جداًً، ويجب محاكمته أمام القضاء المختص استناداً إلى الإخبار الذي تقدّم به النائب حسسن فضل الله باسم كتلة حزب الله إلى النائب العام المالي والبدء في التحقيق القضائي في هذا الملف، ومن ثم ردّ السنيورة القاسي بل الشديد القسوة على ما ساقه نائب حزب الله ضده، واتهامه مباشرة الحزب باللجوء إلى السياسة الكيدية للتغطية على فساده طيلة السنين الماضية التي كان فيها شريكاً أساسياً في كل الحكومات التي شكلت منذ العام 2005 وحتى اليوم.

هذا المشهد البارز على الساحة الداخلية لا يحمل أي دلائل على أن الحكومة التي ينتظرها اللبنانيون مُـدّة لا تزيد على التسعة أشهر قادرة على تحمل الأعباء الكثيرة التي تنتظرها، وفي مقدمتها عبء الإصلاحات التي طلبتها الدول التي شاركت في مؤتمر سيدر أو عبء محاربة الفساد الذي تعهد وما زال يتعهد رئيس الجمهورية بأن يكون الهدف الأساسي ليس للحكومة وحدها لما تبقى من عهده الذي دخل في عامه الثالث من دون أن يتقدّم خطوة واحدة على صعيد مكافحة الفساد والاقتصاص من الفاسدين. وهذا بدوره يُعيد طرح المزيد من الشكوك عن مدى قدرة حكومة قامت المتاريس بينها قبل أن تبدأ عملها بشكل جدي، واشتد الاشتباك السياسي والتراشق بين فريقين أساسيين في الحكومة يتمتع كل فريق منهما بحق النقض، وحق شل عمل الحكومة على مواجهة كل التحديات التي تنتظرها بموقف موحد أو أن تتفق كما كان متوقعاً على ترك الخلافات جانباً والعمل معا وفق منطوق البيان الوزاري الذي حظي بموافقة كل الأطراف المشاركة في الحكومة ومنها حزب الله وفريق 8 آذار.

ومن المضحك المبكي أن الجميع ما زال يتحدث عن الفساد والمفسدين وضرورة اقتلاع هذه الآفة الخطيرة من جسم الدولة اللبنانية في وقت تبدو كل الطرق مسدودة أمام أي تفكير بعودة الانسجام إلى داخل الحكومة.