لبنان الى مؤتمر «بروكسل 3»، يشارك مثقلاً بالمخاوف من التوجهات الدولية في مقاربتها لملف النازحين السوريين. فالتجربة المريرة مع نتائج «بروكسل 2» والتي تكرّرت في مؤتمر شرم الشيخ الأورو ـ متوسطي تدعوه الى التواضع ووقف التهجّم على المجتمع الدولي، إذا كان الهدف تخفيف ترددات أزمة النازحين والبحث عن خطط لعودتهم.
 

على وقع الحملات الإعلامية التي يشنّها بعض المسؤولين اللبنانيين على المجتمع الدولي والأمم المتحدة وممثلي الهيئات الإنسانية فيها وتلك المكلفة رعاية شؤون النازحين واللاجئين، معطوفة على استعدادات البعض الآخر لمقاضاة بعض المسؤولين الأمميّين الكبار امام المحاكم اللبنانية وفي جنيف بتهمة عرقلة عودة النازحين السوريين الى بلادهم بعد التضييق على اقامتهم في لبنان، يستعدّ لبنان للمشاركة في مؤتمر «بروكسل 3» المقرَّر عقده في 13 آذار الجاري في غياب الإستراتيجية الموحّدة لمواجهة ما بلغته تداعيات هذه الأزمة على اكثر من مستوى.

وما زاد في الطين بلة جاء من تصريحات وزير الدولة لشؤون النازحين الجديد صالح الغريب التي اعتبر فيها أنّ القرار بإعادة النازحين هو «ملك الدولة اللبنانية من دون سواها... ولن نكون أسرى مواقف المجتمع الدولي». وهو الى جانب تأكيده أنّ أحد أقصر الطرق لبلوغ الهدف هو «الحوار مع النظام السوري»، اعتبر أنّ المجتمع الدولي «يتجاهل خصوصية لبنان وأوضاعه»، مطلقاً وصفاً عجيباً على القانون الرقم 10 عندما اعتبره «بلا قيمة فعلية» على عكس الواقع القائم هناك تماماً.

كذلك هدّد باتّخاذ المواقف الشبيهة بتلك التي اتّخذها من بيروت ودمشق على خلفية أن لا نيّة لديه لتحدي الغرب، متجاهلاً ما تقول به الأعراف والقوانين الدولية عند توصيفها أزمة اللاجئين والنازحين واصول العودة وشروطها ولا سيما منها تلك التي تقول بـ»عودة مستدامة وآمنة وطوعية لا قسرية»، لا تشوبها المصاعب التي تواجهها في لبنان وسوريا والتي يعاينها مراقبو هذه المؤسسات بنحو دوري ومستدام ومن خلال الجولات الميدانية للمسؤولين الأمميّين في لبنان بعد تعذر القيام بمثيلاتها في الداخل السوري حيث لم يسمح لهم بالوصول الى مراكز العائدين حديثاً، ولا الى بعض مناطق إيوائهم وتحديداً في المدن والقرى التي انتهت فيها العمليات العسكرية التدميرية أخيراً.

ومن هذه المنطلقات بالذات تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية مواقف لبنانية أكثر مرونة لمواجهة المجتمع الدولي تحاكي الشروط الدولية قبل الداخلية منها في المؤتمر المقرَّر عقده بعد ايام في بروكسيل. وبعيداً عن المواقف اللامسؤولة التي اطلقها البعض ولا سيما انّ من بينهم مَن لم يمرّ على تسلّمه مهامه اسابيع قليلة متوعّداً المجتمع الدولي والعالم باستراتيجية جديدة سيضعها خلال ايام قليلة. علماً انّ مثل هذه الإستراتيجية الموحّدة لم تضعها الحكومة اللبنانية ولا اللجنة الوزارية في خلال السنوات السبع الأخيرة التي بقي فيها هذا الموضوع مطروحاً للبحث. فالمجتمع الدولي لا يقاد كما يرغب البعض بالتهديدات والإجراءات الداخلية التي ما تلبث أن ترتدّ على مطلقيها فيجرّون خيبات الأمل في كل مرة.

من هذه الخلفيات، التي تثير القلق اكثر مما تأتي بالخير الموعود يتطلع المسؤولون الأمميّون الى مرحلة يتفهم فيها اللبنانيون مقتضيات التعاطي مع المجتمع الدولي بعدما خبروا مختلف الخيارات الأخرى. ولا سيما الحوار مع النظام السوري والذي لم ينتج اكثر ممّا أنتجته مساعي المديرية العامة للأمن العام بإشراف مباشر من اللواء عباس ابراهيم من برامج «العودة الطوعية» والتي انتهت في عام واحد الى اعادة ما يزيد على 160 الف نازح الى سوريا ما خلا اولئك العائدين بمبادرات فردية والتي لا تزيد على اكثر من 20 الفاً.

وكل ذلك يجري على وقع نزاع داخلي يتّخذ من قضية العودة أشكالاً عدة ابرزها الدعوات التي يطلقها البعض للحوار والإعتراف بالنظام السوري والتي لم تنتج تعديلاً واحداً بشأن الشروط المتشددة. دون أن ننسى نجاح المدير العام للأم العام اللواء ابراهيم في تعديل بعضها لجهة إعطاء العائدين مهلة 6 اشهر إضافية تُحتسب بعد العودة للالتحاق بالخدمة العسكرية ودون ايّ تعديل يذكر بما قال به القانون رقم 10 الذي يتمّ تمديدُ العمل به سنة واحدة تنتهي في الخريف المقبل، رغم المساعي الأمميّة والروسية واللبنانية التي دعت الى التراجع عنه نهائياً واعتباره كأنه لم يكن.

ولذلك تنصح المراجع الدولية بالعودة الى الحوار العميق مع المجتمع الدولي وهو أمر سيكون مطروحاً خلال ايام قليلة بوصول المفوّض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة فيليبو غراندي الى بيروت، بعد ايام على زيارة الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الى بيروت، التي قالت بالحرف الواحد أن «لا عودة قبل الحل السياسي ولا عودة إلّا بضمانات تؤكد انها ستكون آمنة ومستدامة» معطوفة على زيارة. وألأخطر قالت المصادر إنّ لبنان إن يقرأ جيداً النتائج التي انتهى اليها المؤتمر الأورو – متوسطي الذي عُقد في 24 و25 شباط الماضي في شرم الشيخ، والذي تجاهل فيه ممثلو الدول المانحة لعودة اللاجئين والنازحين تضمين أيّ بيان صدر عن القمة أيّ إشارة الى ملف النازحين السوريين على اساس أنه لن يُطرح قبل ولوج سوريا مرحلة الحلّ السياسي والإستغناء عن البرامج والحلول العسكرية التي تتحدث عنها كل الأطراف المتورطة في الأزمة السورية يومياً.

وبناءً على ما تقدّم تلفت المراجع عينها الى أهمية العودة الى مقرّرات «بروكسيل 2» الذي عُقد في 24 و25 نيسان من العام الماضي في مرحلة سبقت مؤتمر «سيدر واحد» المخصَّص لدعم الإقتصاد الوطني اللبناني والمجتمعات المضيفة للنازحين، وقبل أيام على عقد مؤتمر «روما 2» الخاص بدعم القوى العسكرية والأمنية. 

ولذلك ما على اللبنانيين سوى مراجعة نتائج المؤتمر الذي اكد في مقرراته النهائية التي صدرت على لسان «رؤساء الدول» شروط العودة كما تحدِّدها المؤسسات الدولية ومعاهداتها والتي لم تتحقق بعد، وخصوصاً لجهة «الحاجات الإنسانية ومتطلّبات الصمود للناس في سوريا والمنطقة». مع الإشارة الى المعاناة الهائلة التي تعيشها هيئات الأمم المتحدة الحالية والنقص الحاد في التمويل المفقود. فهو يحتاج الى ما قيمته 3.51 مليارات دولار في الداخل السوري وما تحتاجه الخطط الأخرى لدول الجوار السوري يبلغ ما قيمته 5.6 مليارات دولار. وهو المبلغ المطلوب لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة في كل من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.

ولهذا كله ما على اللبنانيين سوى البحث عن الصيغة المثلى للتفاهم مع المجتمع الدولي، فالخيارات الاخرى لا تنتج دولاراً واحداً من متطلبات العودة والمجتمعات المضيفة، وأيّ كلام خارج هذا المنطق لا يصلح سوى لـ «الجدل البيزنطي» في الداخل اللبناني.