السودان بين البشير وعسكره وضرورة التغيير لشعب يعيش افظع حالات الفقر والتهميش.
 

ما تبقى من أنظمة محكومة بجزمة العسكر تشهد مرحلة الانفصال عن الاستبداد الذي طغى على أكثر البلاد العربية والاسلامية منذ قيام الدولة الوطنية على ظهر الاستعمار، وهناك من سقط كالعراق وليبيا واليمن وهناك من تمّ حمايته من السقوط كمصر وسورية  ويبدو أن مصير السودان والجزائر ليس ببعيد بعد غضب سوداني عارم ضدّ حكم البشير الذي أودى بالبلاد الى التقسيم واضاف جرعات جديدة للفقر الذي بات سمة الأغلبية السودانية في ظل ثراء غير عادي للطغمة العسكرية الحاكمة،  وقد انهى البشير تاريخ التجربة السودانية في محاولاتها الدائمة لتصحيح المسار السياسي من خلال الانقلابات والانقلابات المضادة ببسط سيطرة عسكرية تامة على السودان همّشت من أدوار الآخرين وألغتهم .

يكفي أن البشير يرفع أيضاً شعار قائد الى الأبد دون أن يسهم في بناء السودان بل على العكس أسهم عسكره في هدم آخر حجر في البناء السوداني، لذا لم تأت موجات الغضب الشعبي عارية من أي حقّ بل هي تتويج لسنيين من النسيان والاهمال في كل مفارز الحياة وهذا ما عطّل الدورة الاقتصادية وجعلها واقفة عند حدود الفقر المدقع فكان هروب الشباب من وطنهم الى دول مستخدمة لهم احدى مظاهر التعبير عن الوضع الاقتصادي الصعب إذ لم يستطع النظام وطيلة حكم البشير من توظيف امكانيات أجيال متعلمة، ولم يوفر الشروط اللازمة لتصحيح الأعطال في بنيته الاقتصادية خاصة وأن السودان وكما قيل أنه يطعم العرب لو تمّ التعاطي معه بطريقة علمية لا بطريقة النهب والسرقة والحروب التي من شأنها إبقاء السودان جريحاً نازفاً لصالح حكم العسكر .

إقرا أيضا: هل تجوز مصافحة يدّ قابوس وبوتين؟

بغض النظر عن امكانية نجاح السودانيين في محاولتهم الجدية والجديدة لتغيير حكم البشير اذا ما وقف بعض العرب ضدّ المساهمة وعدم مدّ يد العون للشعب السوداني واذا لم يهتم الغرب بالموجة الشعبية السودانية الهادرة ضدّ البشير وتركها أسيرة النار وبارود العسكر تبقى الدلالة على فشل أنظمة العسكر محل إدانة دائمة وهي تعبر عن دورها الرافض كلما سنحت الظروف وازداد ضغط الفقر مما يعني أن هذه الأنظمة لا تعكس رغبة الشعب وارادته بل هي أنظمة قائمة كما تبيّن في صحوة الربيع العربي  على أنها أنظمة عميلة تستمد قوتها من دعم الخارج لها ومتى سحب الخارج بساط السلطة من تحتها هوت عروش القياصرة والأباطرة والتيجان وتبيّن أنهم مجرد دُمى لا أكثر في أيادي الدول الكبرى .

في الجزائز التي استنزفت آخر شهدائها وأنفقت كل أرصدتها المتبقية في بنك الشهادة لم يعد سيف الثورة المسلط على الجزائريين أكثر مما سُلط على رقاب الفرنسيين يسحر الناس الذين اغتالتهم الثورة ألف مرّة في حين أن المستعمر اغتالهم مرّة واحدة وكان اغتياله ناعماً أمام اغتيال عسكر الدولة البشع والمُقزّز في تجربة سوداء وضعت الجزائر في مهب رياح عاتية وخبيثة زادت من شرائح الفقر وأوقفت عجلة الحياة والنمو لصالح انكماش اقتصادي واجتماعي وموت سياسي لصالح أحزاب الدولة المفبركة والمصنعة بمصانع العسكر .

إقرا أيضا: سُكّر حزب الله بات مرًّا

من المعيب أن تختبىء الجنرالات الحاكمة خلف كرسي رئيس لا حول له ولا قوّة وهذا ما يدل على افلاس العسكر من جهة وعلى حجم الخلافات داخل السلطة في ظل تقاسم النفوذ ما بين الأجهزة الأمنية والعسكرية لهذا لم تتمكن هذه الطغمة العسكرية من ايجاد بديل لرئيس عاجز صحياً وعُمرياً لذا كان التجديد لبوتفليقة يلبي طموحات وخلافات الجنرالات ولا يلبي رغبات الشارع الجزائري الذي استفاق من دمه الذي أهدرته الثورة لصالح الثروة التي يتمتع بها كبار العسكر في الجيش و الأجهزة الأخرى .