نشر موقع "ستراتفور" الأمريكي، تقريرا سلط من خلاله الضوء، على المشهد السياسي في الجزائر، الذي يشهد توترا متصاعدا، على خلفية ترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، لفترة رئاسية خامسة على الرغم من أنه طريح الفراش بسبب حالته الصحية.
 
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الجزائريين سيتوجهون يوم 18 نيسان/ أبريل إلى صناديق الاقتراع إما لإعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو استبداله بأحد مرشحي المعارضة الذين دخلوا السباق الرئاسي.
 
لكن خلافا للانتخابات السابقة، من المحتمل أن تؤدي المنافسة الرئاسية المقبلة والاضطرابات الاجتماعية القائمة حولها إلى إحداث تغيير دائم في الجزائر.
 
وأشار الموقع إلى أن هشاشة الاقتصاد والنظام السياسي وغياب الرغبة في تعزيزه، أدت إلى بروز موجة دعم للمعارضة ما زاد من احتمال مشاركتها غير المسبوقة في الانتخابات والمشاركة في الاحتجاجات.
 
وحتى لو لم يؤد السباق الرئاسي هذا العام إلى تشكيل حكومة جديدة، فمن المؤكد أن الانتخابات المقبلة ستدفع لذلك، لتمثل بداية حقبة جديدة في السياسة الجزائرية.
 
ونوه الموقع بأن الجزائر تعد ثاني أكبر دولة من حيث المساحة بين الدول الإفريقية، إلى جانب أنها تضم أكبر عدد من السكان مقارنة ببقية جيرانها الصحراويين الستة.
 
وتتميز الجزائر بإنفاق عسكري ضخم تغذّيه منافسة البلدان المجاورة، على غرار المغرب. كما تعد الجزائر مصدرا مهما لاحتياطات الطاقة التي ساهمت في تدفق الصادرات إلى أوروبا على امتداد عقود، إلى جانب إطلالها على ساحل البحر المتوسط الغني بالموارد.
 
وذكر الموقع أنه على الرغم من امتلاك الجزائر لكافة القدرات التي ترشحها لتكون قوة عظمى في الجوار، تميل الجزائر إلى التقوقع على نفسها واتخاذ دور هامشي في الشؤون الإقليمية، سواء فيما يتعلق بالصحراء أو البحر الأبيض المتوسط أو الشرق الأوسط أو العالم العربي ككل.
 
وبيّن الموقع أنه كان لإرث السيطرة الاستعمارية الفرنسية تأثير على وسائل الإنتاج الجزائرية وأنظمة الاستثمار في النفط والغاز الطبيعي التي أسستها بعد الاستقلال، لتُحكم الجزائر قبضتها على احتياطياتها.
 
وتتمتع الجزائر باقتصاد يخضع لسيطرة الدولة، التي ترفض التدخل الأجنبي في الشؤون الجزائرية. وبالمقارنة مع نظرائه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غالبًا ما يعتبر النظام الجزائري الأكثر "برودا في التعامل" مع الاستثمار الأجنبي.

وأوضح الموقع أن تقدم بوتفليقة في السن جعله يفقد الثقة في قدرته على توجيه البلاد، مع تزايد عدد الجزائريين الذين ينظرون إلى الحاكم على أنه مريض للغاية وطاعن في السن. وقد عكس البيان الخطي لبوتفليقة اعتقاده بأن "الاستمرارية هي الأفضل للجزائر".

لكن هذا البيان، مثل معظم القرارات الأخرى التي أصدرها الرئيس، سُلّمت عن طريق الوكيل (الذي أصبح الوسيلة الوحيدة التي يتواصل بها بوتفليقة مع شعبه، ما زاد شعور الجزائريين بالإحباط).

وأفاد الموقع بأن دعم الأحزاب في الائتلاف الحاكم في الجزائر لبوتفليقة يعكس قلقهم من التغيير الذي يمكن أن ينتج عن خلافة غير مدارة لزعيم غير متحالف مع عشيرة بوتفليقة الحاكمة.

وهذا يشمل حزب بوتفليقة "جبهة التحرير الوطني"، أكبر حزب في البلاد، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء أحمد أويحيى.

وأشار الموقع إلى أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد تزيد من خطر تصعيد الركود السياسي. فقد عانى الاقتصاد المدعوم من الدولة، الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات الطاقة، من التباطؤ الناتج عن انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي سنة 2014 والانخفاض في الطلب على صادرات الطاقة من جنوب أوروبا، وهو لم يتعافى بعد من آثاره.

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة البطالة في الجزائر تبلغ حوالي 12 في المائة، ويعاني سوق العمل الجزائري من ارتفاع معدل البطالة بين الشباب (24 في المائة)، والبطالة المزمنة ومعدلات المشاركة المحتشمة من جانب المرأة الجزائرية في القوى العاملة.

وأكد الموقع أنه في إطار الجهود المبذولة للتخفيف من المخاوف الاقتصادية التي تؤثر على العديد من المواطنين، لم تنفذ الحكومة بعد أي إصلاحات طويلة المدى. وبدلا من ذلك، حاولت الوصول إلى إصلاحات على المدى القصير، مثل طباعة المزيد من المال لمعالجة الدين المتنامي في الجزائر.

ودفع الاستياء المتزايد المعتاد من السياسة عددًا كبيرًا من المرشحين والأحزاب والجماعات السياسية إلى تحدي إعادة انتخاب بوتفليقة.

وكان بينهم رئيس الوزراء السابق علي بن فليس وعبد الرزاق مقري من "حركة مجتمع السلم".

قادت مجموعة "مواطنة" مظاهرات عامة ومناقشات طلابية جامعية ركزت على تحدي ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. وقد ترددت رسالة "مواطنة" في مجموعة متنوعة من الطبقات الاجتماعية ومجموعات الضغط.

وبين الموقع أنه لأول مرة منذ 20 سنة، يوجد سبيل لمرشح المعارضة، وإن كان محدودا، للفوز في الانتخابات في الجزائر، خاصة إذا ما تواصلت الاحتجاجات التي تجوب شوارع البلاد.

ومن شأن الانتقال السياسي أن يفتح مجالا أمام تكتيكات جديدة موجهة نحو الإصلاح الهيكلي للاقتصاد إلى جانب اعتماد أساليب أكثر واقعية لتعديل أنظمة الاستثمار الأجنبي.

وفي الختام، قال الموقع إنه بغض النظر عن الفائز، ستعكس الانتخابات القادمة مدى سخط الشعب الجزائري على الحكومة التي لا تلبي احتياجات المواطنين.

وفي ظل هذه الظروف، سيستمر الزخم الذي يحرّك المعارضة، التي ستواصل بدورها الضغط من أجل إحداث تغيير سياسي واقتصادي لفترة طويلة بعد انتهاء الانتخابات في نيسان/ أبريل؛ وهو ما يعني أنه حتى لو فاز بوتفليقة بولاية خامسة فإنها ستكون حتما الأخيرة.