ينظر ممثلو الهيئات الأُممية في لبنان بكثير من التروّي الى بعض المواقف اللبنانية التي تمسّ مهمّتَهم. فإلى اتّهامهم بعرقلة عودة النازحين، يدركون المعطيات الداخلية التي تقود البعض الى هذا الاتّهام ظنّاً بأنّ هناك محوراً قد انتصر ويستعجلون الحصاد في الداخل من دون النظر الى البعيد المؤلم. فما هو الدافع الى هذه القراءة؟
 

لا يخفي كثيرون من ممثلي المجتمع الدولي ما لديهم من عتب وسخرية لدى التوقف عند بعض المواقف الراهنة التي تتناول ملف النازحين السوريين.

وقد زاد من نسبة هذا الشعور الممزوج بالخيبة والقلق على مستقبل هذا الملف الخطير انّ البعض يتناوله بخلفيات سياسية داخلية باهتة لا تُغني فقيراً ولا تعيد نازحاً سورياً واحداً الى بلاده.

فلمثل هذه العودة شروط وعلى اللبنانيين الإلتزامُ بمقتضياتها سعياً الى التوفيق المطلوب بين شروط العودة المفروضة دولياً وأممياً من جهة، والشروط السورية التعجيزية التي تعوق كل المبادرات الدولية والمحلية لإعادة النازحين والتي تتهاوى واحدة بعد أخرى.

ففي رأي الخبراء المتعاطين مع المجتمع الدولي ومسؤوليه، أنّ هناك مَن يلعب بالنار نتيجة إستخفاف البعض بما أُنجز حتى الآن من خطوات تحت شعار «التغيير الكبير» المُحدث في استراتيجية وزارة النازحين، تدعمها توجهات صارمة لوزارة الخارجية وبعض القوى السياسية التي امسكت بالملف في غفلة من الزمن على قاعدة انها قادرة على ترتيب هذه العودة، متجاوزة ما يقول به المجتمع الدولي من دون تقدير حجم المعوقات الكبرى التي تحول دونها سواءٌ وُصفت بأنها «طوعية» أو «آمنة» أو أيّ صفة أخرى يرغب البعض بسبغها عليها. فشروط استدامتها غير متوافرة والتجارب المريرة السابقة خير دليل الى كثير لمَن أراد أن يرى.

فما تحقق من خلال البرامج التي قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بالتنسيق مع المنظمات الدولية والسلطات السورية المعنية يجب أن يُقرأ في هدوء وتمعّن بغية تقدير ما يمكن القيام به مستقبلاً بواقعية.

وفي الحالين هناك شرط واجب يقول بالإبتعاد عن المواقف «الشعبوية المتشنّجة» التي تفرضها معادلات سياسية ومذهبية وحزبية داخلية في لبنان لتقدير الموقف قبل الوقوع في فخّ «الرهانات القاتلة» التي لا يمكن تجاوزها متى ثبتت، ولا الخروج من أنفاقها بسهولة بعد فوات الأوان.

ويتفهم خبراء معنيّون الظروفَ السياسية التي دفعت ببعض المسؤولين الجدد في هذا الملف الى الحديث عن استراتيجية جديدة لا تأخذ في الإعتبار مختلف الدراسات والبحوث السابقة التي وُضعت على خلفية الإعتقاد بأنّ الحرب السورية انتهت، وأنّ هناك منتصراً وخاسراً فيها وآن اوان القطاف والحصاد في لبنان.

فالواقع يدعو الى إجراء مقارنة بين المواقف الدولية من جهة والداخلية من جهة أخرى وما ظهر أخيراً من فوارق شاسعة بين المقاربتين يثير قلقاً كبيراً. فالأولى بنيت على قواعد استراتيجية كبرى مالية وسياسية وعسكرية فيما الثانية تقدّم الحال الإجتماعية والإنسانية التي يعيشها النازحون والأوضاع الإقتصادية التي تعانيها الدولة اللبنانية المضيفة.

وكان واضحاً الخلاف في النظرة التي عبّرت عنها الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء زيارتها الى بيروت عند مقاربتها الملف، وخصوصاً لجهة تأكيدها صعوبة العودة قبل الحلّ السياسي وقبل توفير الضمانات التي تؤكد أنها ستكون آمنة ومستدامة.

فيما يرى لبنان انّ العودة ممكنة في ظلّ سيطرة النظام على معظم اراضيه وانتفاء الحاجة الى المساعدات التي تقدّم للنازحين في لبنان، بحيث يمكن تقديمُها لهم في سوريا عند عودتهم على رغم صعوبة التحرّك الأممي على الساحة السورية.

وعلى خلفية الاعتقاد انّ الاتصالات مع سوريا تسهّل برامج العودة، فإنّ الجميع يعرفون انّ مثل هذه الاتصالات لم تتوقف يوماً منذ سنوات، ولكن ما يعوقها هو عدم تراجع السلطات السورية عن الإجراءآت المتشددة المفروضة لتوفير العودة. فالقادة الروس بعد المسؤولين الأمميّين عجزوا عن تعديلها سواء على مستوى القانون الرقم 10، ويأتيك في لبنان مَن يقول إنه «بلا قيمة» على رغم العوائق التي تسبّب بها معطوفاً على برامج التجنيد الإجباري التي لا ينوي النظام تعديلها لا بل هو يسعى الى التشدّد فيها حتى النهاية التي تضمن له توفير القوى الداخلية لضمان الإستقرار والأمن في المناطق المستعادة تحت سيطرته.

وبعيداً من كل هذه المعادلات يجدر التوقف عند موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي طلب في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول حصر الإتصالات بالجهات الدولية برئاسة الحكومة، وعدم فتح أيّ قنوات أخرى تحت شعار حماية «سيدر 1» الذي وضعته الحكومة السابقة التي «استنسخت» بالجديدة.

وهي رسالة يجب ان تؤخذ في الإعتبار في وجود السفير الفرنسي فيليب دوكان المكلّف متابعة الملف في بيروت، وفي انتظار وصول مفوض الأمم السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي للقاء المسؤولين الكبار خلال الأيام المقبلة.

فـ «سيدر 1» هو البوابة الإجبارية لمقاربة أزمة النزوح والتي تحوّلت ملفاً ضمن ملفاته ومشاريعه، وهو امر يقود حتماً الى تحاشي المواجهة المحتملة مع المجتمع الدولي مخافة أن يُحدث تصرّفُ البعض ازمة لا يمكن تجاوزها او تجاهلها.

فهل طرَح ايٌّ من هؤلاء السؤال يوماً على نفسه: ما هو المتوقع لو «صدق المجتمع الدولي» تهديداتهم؟ وماذا يمكن بعض المواقف المتشنجة أن تقود اليه؟

وهل في امكان أيٍّ منهم اقناع السلطات السورية بتسهيل عودة النازحين الى بلدهم؟ وهل إنّ النظام السوري مستعد لتقديم التنازلات المطلوبة للسلطات اللبنانية في ظل المواجهة الدولية والإقليمية التي ما زال في خضمّها؟

من لديه أيُّ جواب على هذه الأسئلة فليتفضّل..