السنيورة في مواجهة حزب الله!
 
تحوّلت قضيّة الـ 11 مليار دولار إلى أزمةٍ تحملُ في باطنها أبعاداً سياسيةً واضحة المعالم أكثر ممّا توحي بمُقاربة ملفات الفساد المتفشية في البلد.
 
ومن منطلق خطاب القسم الذي شدّد فيه رئيس الجمهوريّة ميشال عون، على أنّه لن يساوم وبأيّ شكل من الأشكال في مخالفات الدستوريّة أكانت سابقة أم حاليّة لاسيّما فيما يتعلّق باحترام عمل المؤسّسات والماليّة العامّة، ومن ضمنها مسألة الـ11 مليار دولار، والتي هي مرتبطة بإنفاق رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في أعوامٍ مُحدّدةٍ لمبالغ من المال العامّ دون إذن من مجلس النواب وهذا يُشكّلُ مخالفة دستوريّة ولا علاقة لها بأموال مُنفقة دون قيود.
أمّا بالنسبة للسنيورة وفريقه فإنّ مجلس النواب مُقفل بسبب الأحداث السياسيّة في ذلك الوقت وعلى الدولة أن تُنفِق. 
 
ويُطرحُ هنا السؤال، لماذا كلّ هذه المزايدات في مكافحة الفساد فهل باتت هي السلاح الجديد لمواجهة القوى بعضها البعض، ومن هُنا نتساءل عن سبب تواجدهم إذًا في نفس الحكومة طالما أنّهم يُريدون فضح بعضهم البعض؟ 
وعن عمليّة مُكافحة الفساد، تبدأ أوّلاً من الإلتزام بالقوانين بوجود الدولة ومؤسّساتها على كافّة الأراضي وبوجود سلاح شرعي وحيد، وهل تعريض مصلحة اللّبنانيّين للخطر عبر الإنخراط بحروب في دولة مجاورة وبدعم "ميليشيّات" في دول عربيّة لا يدخل في مكافحة الفساد؟
 
أمّا التهريب عبر المرفأ والمطار والحدود البرّيّة اللّبنانيّة – السوريّة والتهرّب الضريبي لا يدخل ضمن مكافحة الفساد؟ 
 
ما قبل إنتخابات عام 2000، أطلِقَت حملة تحت عنوان مكافحة الفساد، وفي حينها تمّ زجّ العديد من الأسماء المقرّبة أو المسحوبين على الحريري، في قضايا الفساد وقد طاولت تلك الحملة آنذاك الرئيس فؤاد السنيورة، باتهامه بقضيّة محرقة برج حمود.
 
 وفي تلك المرحلة التي سبقت هذه الحملة، كان لبنان قد قرّر شراء محرقة، ووقِّع إتفاقٍ على شرائها. إلّا أنّه فيما بعد، لم يكملُ لبنان الصفقة، بسبب بند جزائي في الإتفاقيّة مع إيطاليا، يوجِبُ دفع المال المُستحقّ في حال فسخ العقد. 
أمّا في مجلس الوزراء، صوِّتَ على دفع الأموال، والجميع صوَّت موافقاً بإستثناء السنيورة، الذي رفض التصويت، لكنه نفّذ القرار. فورًا إنطلقت حملة إعلاميّة واسعة تطالُ السنيورة، حول كيفيّة دفعه الأموال لمحرقة غير موجودة، فتم الكشف عن محضر جلسة مجلس الوزراء، ليتبيّن أن السنيورة كان وحده ضدّ القرار، ومن صوتوا مع القرار هم الذين شنّوا الحملة على وزير المال عندها. 
حاليًّا، المشهد نفسه وفيه تكرار لتجارب سابقة، من إختلاق ملفات لتصفية حسابات مع المحور السياسي عينه.
 
من جانبه، كشف الرئيس فؤاد السنيورة، خلال مؤتمر صحافي تناول فيه ملف الحسابات المالية ان منذ العام 93 بدأ الانتظام يعود للمالية العامة وبدأنا نرى الموازنات تتحضر وترسل الى المجلس النيابي في المواعيد الدستورية ويصار الى اقرارها كما يصار الى اعداد قطوع الحسابات وحسابات الخزينة"، مضيفا "حكومتي في 2006 أعدّت مشروع قانون إلى مجلس النواب من أجل إخضاع كلّ حسابات المالية العامة والمؤسسات إلى الرقابة التي يُمكن أن تقوم بها مؤسسات دولية متخصّصة في أعمال الرقابة وهذا أمر ليس اختراعاً لبنانياً بل هو موجود في الكثير من بلدان العالم".
 
وعن قضيّة الـ 11 مليار دولار، أشار السنيورة إلى أنّها "عاصفة في فنجان وهي مُحاولة يقوم بها فريق مُعيّن لحرف انتباه الناس نحو مسائل أخرى تُخفي ما يقوم به من ممارسات"، مُضيفًا "غابت الموازنات طوال 11 سنة بسبب الإقفال القسري لمجلس النواب أو عدم الإعداد لها من قِبل مجلس الوزراء"، قائلًا ان الرئيس نبيه بري هو أول من تحدث عن الـ ١١ مليارًا إثر خروجه من بعبدا و"قعدنا ١١عامًا بلا موازنة وعلى القاعدة الإثني عشرية لأسباب كثيرة منها الإقفال القسري للمجلس" وأنا أصلاً أرسلت موازنات كثيرة إلى المجلس لم تدرس".
 
ورأى السنيورة انّ العودة إلى اعتماد القاعدة الاثني عشرية هو من قبيل الهرطقة القانونيّة لأنّه عندما يختلّ التوازن في البلد لا يعود بالإمكان استعمال هذه القاعدة بل يجب حينها العودة إلى مبدأ ضرورة تسيير المرفق العام وتسهيل أمور المواطنين".
 
وإعتبر السنيورة ان الحديث عن الـ11 مليار دولار لا يؤدي إلا الى اثارة الفتن وعدم الاستقرار ولا يوصل لايجاد اي حل بل يتم خلق مشكلة دون ايجاد حلّ.
 
وكشف السنيورة ان "الفساد الاكبر والشر الاعظم هو الفساد السياسي وكل من يقيم دويلات داخل الدولة ويسيطر على مرافقها ويعطّل الاستحقاقات الدستورية".
 
ولفت في هذا السياق، السنيورة "من ادخل نفسه وتورط في نزاعات اقليمية ودولية معرضاً مصالح لبنان والبنانيين واخذ الدولة رهينة وعرّضها للمخاطر وعطّل المؤسسات ومواعيدها الدستوري والعجلة الاقتصادية لا يحق له ان يستتر في مأزقه امام غبار لا يدوم ولدينا ما يكفي من الضوء لتبديده".
 
إذًا، هذه الحملة التي يشنّها الحزب على السنيورة، تُشبه إلى حدٍّ بعيدٍ الحملة التي شنّها النظام الأمني اللّبنانيّ - السوريّ على الشهيد رفيق الحريري، ما بين عامي 1998 و2000، وهي نفسها تكرّرت ما قبل إغتيال الحريري بين عامي 2004 و2005، كما بعد حرب تمّوز 2006، بدأ حزب الله حملة سياسيّة واسعة النطاق على حكومة السنيورة حينذاك، ووجّهت الإتهامات للسنيورة بأنّه عميل إسرائيليّ وأميركيّ، وبأنّه نهب أموال إعمار الضاحية والجنوب.