عن طريق الاصطفاف مع الخميني تحول مثقفون عرب إلى مبشرين بجحيمه الذي سيلف المنطقة كلها برؤى شيطانية، كانت بمثابة مقدمة لإزاحة أفكار التقدم والحداثة والعدالة والعلم والسلام، لتحل محلها أفكار التخلف والجهل والتمييز والحرب والكراهية.
 

حين ظهر الخميني في العام 1979 غرّر مثقفون عرب بأنفسهم حين اعتقدوا أن تشي جيفارا الشاب قد انبعث على هيئة شيخ بعمامة سوداء.

هناك قدر هائل من السخرية في ذلك الاعتقاد الذي كشف عن حقائق مريرة تتعلق بشخصية المثقف العربي ومستويات حصانته الفكرية ومدى قدرته على التمييز بين الخير والشر، وبين التقدّم والتخلّف، بما يحمل على الشك بسلامة صفته كونه صوتا مختلفا لمن لا صوت لهم وشاهد عصره.

لا يمكننا أن نصف المعجبين بسلطة آيات الله في إيران بالمنافقين، على الرغم من أن موقفهم جسّد بطريقة أو بأخرى نوعا مبيّتا من الخيانة، تمتد إلى عمق أخلاقي بقدر ما تعبّر عن اهتزاز الثقة بالمبادئ.

سأفترض أنهم كانوا أضعف من أن يمارسوا الخيانة.

إنهم عبارة عن كائنات مُهرولة، حاولت أن تجد لها مكانا في مقدمة مشهد، خُيّل إليها أنه سيُحدث تغييرا ثوريا في المنطقة. وهو ما يتناقض مع ما ارتكبه الرجل القادم من الغرب من حماقة، حين ارتضى لصبيان الحرس الثوري أن يحتلوا السفارة الأميركية في خروج واضح على القانون الدولي.

ربما كانت تلك الحماقة محط إعجابهم، وهم العاجزون عن صنع مسافة تفصلهم بين التفكير العقلاني المحايد، والشعارات التي تنطوي على حماسة صبيانية لا يُعوّل عليها.

لا أعرف كيف بدا لهم الخميني شخصية ساحرة، وهو عبارة عن فقيه ديني بصيغة طائفية خدمته ظروف تاريخية، ساهمت جهات عديدة في صنعها، وقد لا يكون غريبا إذا ما قلنا إن نظام الشاه كان أول تلك الجهات.

من وجهة نظري كان ذلك السحر شبيها بالسحر الذي مارسه راسبوتين على نساء الطبقة العليا في الإمبراطورية الروسية.

شيء من غواية الشر كان كامنا في الجوهر.

لقد مارس الخميني سحره عن طريق الوعد بهدم كل شيء. وهو ما كان يحلم به المثقفون العرب الذين أظهروا إعجابهم برجل الدين المتشدد، وثورته التي استولت على أحلام الفقراء بالتغيير ووظفتها في تزييت عجلة خرافاتها الغيبية.

الأمر الذي دفع بأولئك المثقفين إلى أن ينتقلوا إلى منطقة السلطة بعد أن عاشوا حياتهم كلها وهم يفاخرون باستقلالهم وبعدهم عن إملاءات النظام السياسي العربي.

عن طريق الاصطفاف مع الخميني تحوّل مثقفون عرب إلى مبشّرين بجحيمه الذي سيلفّ المنطقة كلها برؤى شيطانية، كانت بمثابة مقدمة لإزاحة أفكار التقدّم والحداثة والعدالة والعلم والسلام، لتحلّ محلّها أفكار التخلّف والجهل والتمييز والحرب والكراهية.

وبالرغم من مضيّ أربعين سنة، هي عمر بيانات الإعجاب بالخميني، لم أقرأ يوما ما بيانا يعبّر فيه واحد من أولئك المثقفين عن اعتذاره، بسبب خطأ في التقدير ارتكبه حين رأى في الخميني صورة المخلص.

ما معنى ذلك؟

معناه يتوزع بين احتمالين.

فإما أن يكون ذلك المثقف غير مقدّر لأهمية ما يقول وما يفعل وهو بذلك لا يشعر بمسؤولية عما يمكن أن ينتج عن مواقفه، أو أنه لا يزال ينظر بشيء من التقدير إلى النظام الإيراني الذي لا يزال ملتزما بنظرية الخميني في الكراهية والتمييز والحرب والفوضى وهدم المجتمعات والتوسع على حساب دول المنطقة.

في الحالتين فإن ذلك المثقف يجسد الآثم الذي يرتكب الإثم وهو يشعر أنه أضعف من أن يدافع عن فعلته.

لقد انتهى المعجبون بالخميني إلى الصمت من غير أن يفسروا لنا ذلك الصمت.

بالتأكيد لن يحمل صمتهم نوعا من الاعتذار.

كما أن ما يجري في العالم العربي من انهيارات بسبب تدخل النظام الإيراني ينبغي أن لا يقابل بصمت المثقفين.

على المثقف أن يكون مستعدا دائما لمواجهة سؤال من نوع “ما الذي فعلته حين مرّ شعبك بأوقات عصيبة؟”.

أخيرا يمكنني القول بيقين إن صمت المعجبين بالخميني إنما يعبّر عن سلوك انتهازي يعود تفسيره إلى فكرة انتظار نهاية العاصفة.