تُجمع التقارير الديبلوماسية الواردة من طهران على المساواة في أهمية الحدث بين استقبالها الرئيس السوري بشار الأسد واستقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وإذ غادرها الأسد، تصدّرت الإستقالة الإهتمامات الى ان طُويت، حيث رفضها الرئيس حسن روحاني ربطاً بـ «مصلحة البلاد العليا» لتُوجّه إليه تهمة «تحقيق المصالح الأميركية». فلماذا وكيف؟ وما الذي يقود الى هذه التهمة؟
 

لم يتعب الديبلوماسيون المقيمون في طهران كثيراً في قراءة الخلفيات التي قادت ظريف الى الإستقالة المفاجئة عبر صفحته على «انستغرام». ولذلك تمّ الربط الفوري بينها وبين زيارة الأسد المفاجئة لطهران وظهور قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الى جانبه في كل محطات الزيارة، في غياب ظريف رأس الديبلوماسية الإيرانية الأول، فعُدّت ايذاناً بالمواجهة الأولى بين الديبلوماسية الإيرانية والعسكر.

وعليه، قرأ الديبلوماسيون الإستقالة المفاجئة على أنّها ردّة فعل فورية، طفح فيها الكيل لدى رأس الديبلوماسية الإيرانية وباني أمجادها في السنوات الست الأخيرة التي اعقبت توليه مهماتها في آب 2013، ورئاسته الوفد المفاوض في الملف النووي الإيراني مع مجموعة الدول (5 +1) في ايلول من العام نفسه، بعدما بلغت المفاوضات حوله مراحل تجميدها، تزامناً مع بلوغ العقوبات المفروضة على ايران منذ العام 2001 ذروتها في معظم المجالات التي مسّت الحياة اليومية للإيرانيين.

وتحدثت التقارير الديبلوماسية عن نزاع خفي بدأ منذ مدة طويلة بين الديبلوماسية الإيرانية والجناح الخارجي «المُحدَث» الذي يقوده الحرس الثوري الإيراني، بعدما بلغت قوته مختلف المجالات الحيوية الإقتصادية والسياسية والمالية الى الديبلوماسية منها، وتحديداً في الدول التي قادت فيها ايران سلسلة من الثورات، ما هدّد الأدوار الديبلوماسية التي عَمل ظريف على إعادة بنائها في السنوات الأخيرة مدماكاً بعد مدماك. فقد استجرّت سياسته دعماً دولياً لايران، تجلّى في معارضة الأوروبيين، ومعهم الصين وروسيا وكوريا الشمالية، العقوبات الأميركية الجديدة التي اعقبت خروج واشنطن من الإتفاق النووي، والتي لم تتوقف عند حدود الدعم لإيران فحسب، بل توصلت الى رفضها جهاراً اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب طهران بالخروج عن مضمون التفاهمات وخرقها في اكثر من مجال.

وما زاد في الخلاف بين ظريف وسليماني ما سجّله الأخير من خروق في السياسة الخارجية الإيرانية في اكثر من محطة استدرجت معظم دول الغرب الى آتون الحرب اليمنية. كذلك بالنسبة الى تورط اسرائيل في الأزمة السورية بنحو نالت من خلاله دعماً دولياً لم يكن موجوداً، لولا إصرار الحرس الثوري على خططه في شأن الصواريخ وانتشارها خارج جغرافيا إيران. فكل ما توقّعه ظريف من نكسات للسياسة الخارجية قد تحقق، وعندما ارتفعت الضغوط على موسكو لجرّها الى خلاف مع طهران سعى الى استبعاده. فظريف يُحمِّل القادة العسكريين والحرس الثوري الإيراني مسؤولية ما آل اليه الوضع، وكان يسجّل اعتراضاً يومياً على مسلسل المناورات التي نظمها الحرس الثوري لتقديم الجديد من الشبكة الصاروخية وما ادّت اليه من دعم غير مباشر لنظرية ترامب في شأن القدرات الصاروخية الجاري بناؤها على هامش العقوبات الأميركية المفروضة على ايران.

وتقول تقارير ديبلوماسية، انه لم يكن ينقص ظريف للخروج عن صمته سوى زيارة الأسد لطهران، والتي إستُبعِدَت الخارجية الإيرانية عنها في مختلف محطاتها، الى ان حطّ الأسد في دار المرشد الأعلى الإيراني، فكانت المفاجأة الصاعقة التي دفعت بظريف الى تقليد قادة العالم باستخدام «انستغرام» للتعبير عن غضبه، مقدّماً اعتذاره من الشعب الإيراني عن اي تقصير يمكن ان يكون قد ارتكبه»، وليس من أي مسؤول ايراني يجب ان يتقبّل استقالته كالرئيس حسن روحاني مثلاً.

هذه الإستقالة قرأها المسؤولون الإيرانيون الكبار على انّها ليست في توقيتها الصحيح، فالوقت لا يسمح لظريف ان يستقيل، لأنّ ايران لا تزال في المواجهة الأصعب مع الأميركيين والمجتمع الدولي، وبالتالي لا يمكن الإستغناء عن «رأس الحربة الديبلوماسية» التي يمثلها، فإتُهِم بالخروج على «مصلحة البلاد»، كما قال روحاني عند رفضه الإستقالة، فيما اعتبرها آخرون انها اتبعت «التقويم الأميركي» المُعتمد في الحصار على ايران. وذهب البعض الى حد اتهامه بالتواطؤ مع الأميركيين في هذه المرحلة بالذات. فكل ما تريده الإدارة الأميركية في رأيهم هو شل الدولة الإيرانية وتعطيل ديبلوماسيتها، التي شكّل ظريف احد صقورها في أصعب المراحل. كذلك ذهب البعض الى حد إتهامه بالخيانة. فلا يمكن أي قائد عسكري «تغيير الإحصنة وسط النهر»، على ما يقول المثل الشائع، في مثل هذه المحطات التاريخية التي تعيشها البلاد.

عند هذه المعطيات، برز التمني النيابي على ظريف للعودة عن استقالته، وذهب روحاني ابعد منهم في رفضها، رابطاً بينها وبين مصلحة البلاد العليا. ولا تنكر التقارير اهمية ما صدر عن مواقف سليماني، الذي كشف عن عدم وجود اي تنسيق في زيارة الأسد مع الخارجية الإيرانية، معتبراً انه كان «خجولاً» عند ملاحظته غياب ظريف عن محطات الزيارة، وهو ما دل الى ابرز اسباب الإستقالة.

ويشير احد التقارير في جانب منه، الى انه لم يكن صعباً اتهام ظريف بمجاراة السياسة الأميركية، إذ تعرّض للإتهام نفسه يوم أُقصي من سفارة بلاده في الأمم المتحدة عام 2007. فهو متخرّج في القانون الدولي من جامعة ديربورن وفي العلاقات الدولية من جامعة سان فرنسيسكو، واتُهم يومها بتسهيل جرّ ايران الى دعم واشنطن في افغانستان وفي مفاوضاتها لتبادل الرهائن مع واشنطن.