الفساد... هذا الغول الذي يأكل الأخضر واليابس ولحومَ المستضعفين من البشر، ليس هو قصة تُروى في ليلة وتنتهي، إنّه ملحمة طويلة متلاحقة الحلقات، تقصُّها شهرزاد على شهريار في ألف ليلة وليلة بكلِّ وقائعها وفصولها وأبطالها: مـن علي بابا، الـى علاء الدين، الـى السندباد البحري، ولا يتوقّف سردُ القصص إلاّ عندما تَلِـدُ شهرزاد صبّياً للسلطان.

هذا الفساد... ليس هو جريمة جنائية أخلاقية إنسانية وحسب، بل هو لعنةٌ سماوية تحرِّمها الرسالات بـما تحمل من شرورٍ، وبـما تصيب الذات الإنسانية من آثـام.

لأننا ندرك أن عصابة علي بابا ستتمرّد على سلطة علي ابراهم (1) متذرِّعةً بالحصانة..

ولأنّ الفاسدين في الأرض لا يخافون قوانين الأرض وقد جعلوها آلـةً ميكانيكية مطبَّعة لشهواتهم في الدنيا.. فلا بـدّ من أن نستجير بقوانين السماء لعلّهم يرهبون دينونة الآخرة.

المسيح رفع طهارة ذات الإنسان الى مستوى الألوهية حين يقول: «كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل...» والقرآن يتصدّى للفساد في سورة المائدة زاجراً: «ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحبّ المفسدين...» والعقلاء الدروز يتمسَّكون بأهداب الفضيلة والأخلاق، حتى أن الأجاويد منهم يمتنعون عن تناول الطعام أو الشراب عند مسؤول حكومي خشية أن يكون مأكلاً أو مشرباً حراماً.

هذا فضلاً عما أعلنه السيد حسن نصرالله: بأنّ سلْب المال العام، بل توظيفه في غير مجالاته القانونية هو حرام ومحرّم شرعاً.
القول بأنّ السياسة ما دخلت شيئاً إلاّ أفسدته، هو قول الأغبياء على ما يقول برناردشو: «السلطة لا تفسد الرجال إنما الأغبياء إذا ما وُضعوا في السلطة يفسدونها...»

الفاسدون عندنا بالذكاء أو بالغباء، هم الذين جمعوا ثرواتهم من جوع اليتامى والفقراء وقوتِ البؤساء ودم الشهداء، ومن رغيف العامل وراتب الموظف ومن دعارة المومس، حتى تراب المزابل تحوَّل في أيديهم الى ذهب.

هؤلاء المؤتمنون على مصالح الدولة وحقوق الشعب يتاجرون بحياة الشعب وأموال الدولة وأملاك الدولة ومَلاك الدولة الأمني مجنَّداً بالآلاف في خدمة الزعماء والوجهاء وحراسة أهل السلطة وأهل البيت، كمثل ما شاعَ في القرن السادس عشر حيث كان يُعيَّـن للزوجة النبيلة الرجلُ «الوصيفُ» الذي يرافقها ويحرسها، بسبب انشغال الزوج بشؤون الدولة أو التحاقه بالحروب.

رحم الله ذلك الوزير الذي قال لهارون الرشيد وقد رآه ينفق الأموال الطائلة على أهل السياسة وأهل الحراسة، إنك يا أمير المؤمنين تذكِّرني بالراعي الذي خاف على غنَـمِه من الذئاب فاصطحب كثيراً من الكلاب، ولكنه اضطر بعد ذلك الى ذبح نصف قطيعه لإطعام كلابه.

يا جماعة:
عندما دُفن صلاح الدين الأيوبي في دمشق لم يجدوا في خزائنه سوى 47 درهماً من الفضة ودينار واحد من الذهب، وانطلاقاً من المثل القائل: إحرص على سمعتك لأنها تعيش أكثر منك، فاتركوا شيئاً يُتَرحَّـمُ بكم عليه عندما تُدفنون.