أيام معدودة تفصلنا عن بدء الصوم الذي لا يُعتبر مهمّاً فقط على الصعيدين الديني والروحي، إنما يملك أيضاً منافع صحّية عدة. غير أنه لا يمكن استمداد هذه الأخيرة إلّا من خلال الحرص على الاعتناء جيداً بالغذاء طوال هذه الفترة التي تمتدّ نحو 40 يوماً. فكيف تنظّمون وجباتكم وتتصدّون لأيّ نقص في الفيتامينات والمعادن وغيرها من المواد الأساسية لسلامة وظائف أجسامكم؟
 

صرّحت إختصاصية التغذية، راشيل قسطنطين، أنّ «الصوم يؤدي دوراً فائق الأهمّية من الناحيتين الصحّية والغذائية، والفضل يرجع إلى زيادة استهلاك المأكولات النباتية المفيدة، كالخضار والفاكهة والبقوليات والحبوب، في زمن تغزوه الوجبات السريعة والمصنّعة. ونتيجة الابتعاد من الدهون الحيوانية التي تكون غالبيتها مشبّعة، ينخفض معدل الكولسترول في الدم، الأمر الذي يحمي من أمراض القلب والشرايين ويسيطر على ضغط الدم. من دون نسيان ذكر أنّ الامتناع عن الدهون، والحلويات، والسكريات يقلّل من الإصابة بالوزن الزائد والبدانة».

وتابعت حديثها لـ«الجمهورية» قائلةً إنّ «التركيز على الخضار والفاكهة يزوّد الجسم بكثير من السوائل التي تمنع جفافه، وبكميات عالية من مضادات الأكسدة التي تحارب الجذور الحرّة، وتحمي الخلايا، وتقي من الأمراض خصوصاً سرطان البروستات والقولون، وتقوّي المناعة ضدّ الالتهابات. جنباً إلى ارتفاع جرعة البوتاسيوم الذي يخفّض الضغط العالي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كمية الألياف التي تُسهّل عملية الهضم وتمنع الإمساك وتسيطر على معدل السكر في الدم».

وشدّدت على ضرورة تأمين جرعات يومية كافية من العناصر الغذائية التالية طوال الصوم تفادياً لأيِّ خلل فيها قد يُلحق الضرر بالجسم:

البروتينات

مهمّة جداً لبناء الأنسجة والعضلات، وتزويد الجسم بالطاقة. خلال الصوم، يستمرّ بعض الأشخاص في تناول السمك الذي يؤمّن البروتينات، والأوميغا 3 التي تحمي القلب وتقي من أمراض تصلّب الشرايين، واليود المهمّ للغدّة الدرقية، ومعادن أخرى كالكالسيوم، والسلينيوم، والزنك، والفوسفور.

لذلك فإنّ الأشخاص الذين يستهلكون السمك خلال هذه الفترة يؤمّنون البروتينات جنباً إلى مغذيات أخرى مهمّة جداً. أمّا بالنسبة إلى الذين يمتنعون أيضاً عن المأكولات البحرية، فعليهم التعويض بالبروتينات النباتية من خلال تناول الحبوب والبقوليات.

لكن على رغم ذلك، قد يزداد احتمال تعرّضهم للنقص بالأحماض الأمينية الأساسية في الجسم التي لا يستطيع إنتاجها طبيعياً، والتي قد لا تتوافر في كافة البروتينات النباتية.

من هنا أهمّية الدمج بين الحبوب والبقوليات لمنع النقص. على سبيل المثال، يمكن تناول المجدّرة التي تحتوي على البقوليات (العدس) والحبوب (الأرزّ)، أو الحمّص والفول مع الخبز، أو الأرزّ مع اللوبياء.

إشارة إلى وجود بروتينات نباتية مثل الكينوا والصويا التي لا تحتاج إلى هذا النوع من الدمج. يمكن رشّ الكينوا على السَلطة، ولكن يجب عدم الإفراط في الصويا لاحتوائها على الـ«Phytoestrogens» التي تُشبه هورمون الإستروجين فتؤثر سلباً فيه، خصوصاً عند النساء.

الحديد

أساسي لخلايا الدم الحمراء، وتعزيز الهيموغلوبين الذي ينقل الأوكسجين إلى كافة خلايا الجسم. يجب الحذر من التعرّض لفقر الدم خلال الصوم خصوصاً أنه يتمّ الابتعاد من تناول اللحوم الحمراء التي تتضمّن نسبة عالية من هذا المعدن.

المطلوب إذاً التعويض بالمصادر الأخرى النباتية التي تشمل العسل، والعدس، والفاصولياء، والصويا، والسبانخ، والروكا، والقمح، واللوز، والجوز، والتمر...

ولتعزيز امتصاص الحديد النباتي في الجسم، لا بدّ من إضافة إليه مصادر الفيتامين C مثل عصر الحامض على السَلطات، وتناول عصير الليمون مع الوجبات.

الفيتامين B12

متوافر في اللحوم، والسمك، والبيض. إنه أساسي للجهاز العصبي والدماغ ويدخل في صناعة غلاف الميالين للألياف العصبية. لذلك خلال فترة الصوم يجب التركيز على تناول السمك للاستمرار في تأمين الاحتياجات للفيتامين B12، إضافةً إلى رقائق الذرة المدعّمة به.

لكن يجب عدم الخوف من التعرّض لنقص في الـB12 لأنّ الجسم يقوم بتخزينه في الكبد بعكس الفيتامينات الأخرى.

الكالسيوم

مهمّ لصحّة العظام والأسنان، وعند التوقف خلال الصوم عن تناول الأجبان والألبان والحليب من المحتمل الإصابة بنقص الكالسيوم. ولكن يمكن استمداده من مصادر أخرى مثل السمسم، والسردين، والخضار الورقية الخضراء كالبروكلي والبقدونس، والقرنبيط، والملفوف، والتين المجفّف، والصويا، واللوبياء، ورقائق الفطور المدعّمة به.

الفيتامين D

يمنع هشاشة العظام، وضروري لامتصاص الكالسيوم، ويمنع التهاب المفاصل، وينظّم ضغط الدم. إنه موجود خصوصاً في الحليب والسلمون. عند الابتعاد من الأجبان والألبان قد ينخفض مستوى الفيتامين D في الدم، لذلك يجب التركيز على السَلمون، وحليب الصويا أو اللوز المدعّم بالفيتامين D والكالسيوم.

للحذر في هذه الحالات

ودعت قسطنطين بعض الأشخاص إلى الحذر جيداً خلال الصوم، وتحديداً «مرضى السكري لأنه عليهم تعديل جرعة الأدوية، خصوصاً الذين يحصلون على الإنسولين، واتّباع نظام غذائي خاص بالصوم لضبط معدل السكر في الدم وتفادي هبوطه، والاعتدال بالنشويات وتفضيل تلك الغنيّة بالألياف مثل خبز القمح الكامل، والأرزّ الأسمر، والمعكرونة السمراء.

كذلك يجب على مرضى الكِلى الانتباه إلى عدم الإفراط في البوتاسيوم المتوافر بكثرة في الخضار والفاكهة، جنباً إلى الاعتدال بالحبوب والبقوليات.

وبالنسبة إلى الحوامل، عليهنّ مراجعة الطبيب وخبيرة التغذية للاستمرار في الحصول على المغذيات الأساسية لهنّ وللجنين واتّباع نظام غذائي متوازن يمنع التعب والإرهاق. أمّا الأطفال والمسنّون فيجب أن يستشيروا الطبيب الذي سيحدّد إذا كانوا قادرين فعلاً على الصوم ويضع معايير معيّنة تقيهم أيَّ نقص غذائي».

توصيات مهمّة

وقدّمت أخيراً مجموعة نصائح عامة يجب عدم إهمالها:

• شرب الكثير من المياه لأنّ الصوم 12 ساعة قد يسبّب الجفاف. فضلاً عن أنّ المياه أساسية لحرق الدهون ودعم مختلف وظائف الجسم.

• ممارسة الرياضة باعتدال تفادياً للتعب والجفاف نتيجة خسارة المياه عن طريق التعرّق.

• التنويع للحصول على كافة العناصر الغذائية. كل نوع من الفاكهة، والخضار، والحبوب، والبقوليات يحتوي على أشكال مختلفة من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة.

• عدم الإفراط في مصادر الكافيين لأنها تسبّب جفاف الجسم نتيجة تأثيرها المُدرّ للبول. يُستحسن التعويض بالزهورات، والمياه.

• يجب عدم حذف الفطور خلال الصوم. فمن الشائع البدء مباشرةً بوجبة الغداء وهذا خطأ كبير يُبطئ عملية الأيض. الأفضل أولاً تناول وجبة صغيرة تكون بمثابة الفطور، ثمّ الحصول بعد ساعة على الغداء، من دون نسيان السناكات كالفاكهة والمكسرات النيئة.