محاولة “حزب الله” اقتناص دور الطرف الساعي الى مكافحة الفساد، واصلاح البلاد والعباد غير مقنعة، فهي تتطلب اولا وقبل كل شيء اخر ان يباشر باصلاح نفسه، واساليب عمله، وطرق ووسائل تمويله المرئية وغير المرئية. كما تتطلب محاولة الحزب المذكور استخدام شعار مكافحة الفساد والمحاسبة ان يقدم بنفسه جردة كاملة بالفساد الذي رعاه ويرعاه بدءا من السياسة وصولا الى المال النظيف وانتهاء بالمال الاتي من افريقيا واميركا الجنوبية حيث يصعب الاستحصال على اموال كبيرة كما يشاع في الصحافة العالمية ان “حزب الله” يفعل من خارج قنوات القانون والحق العام.

قبل ان يقدم “حزب الله” نفسه كحزب مكافح للفساد فلنفتح معا ملف مرفأ بيروت والتهريب عبر الحدود وفي كل المرافئ البرية والبحرية، وحتى المطار الذي لا يمكن الزعم انه حقا واقع تحت سلطة الشرعية اللبنانية وسيطرتها الفعليتين، بل انه مطار رفيق الحريري الدولي والشرعي في الشكل، وفي الفعل مطار حسن نصرالله ! وكل هذه الهمروجة حول اجراءات امنية جديدة ومستحدثة طلبها الاوروبيون والعرب وتنفذها وزارة الداخلية بعد تشكيل الحكومة لا تلغي حقيقة ان الدولة بمؤسساتها الشرعية متواجدة شكلا. هذا غيض من فيض اذا ما اخذنا في الاعتبار ما تشهده مناطق نفوذ الحزب من اعمال وارتكابات معظمها لا يحاسب عليه المسؤولون.

انها لسخرية القدر ان يكلف حزب مثقل بملفات داخلية وخارجية تلامس في كثير منها حدودا قصوى في الخروج على القانون، فلا يحاسب عليها، وبدلا من ذلك ينبري كـ”شرطي” في النزاهة واحترام القانون، واول واكبر مخالفة للقانون هي امتلاكه لسلاح غير شرعي، لا بل قاتل، وحوله ما حوله من شبهات ارتكاب عمليات اغتيال بحق قادة لبنانيين وفي مقدمهم رفيق الحريري.

ان مهمة النائب المكلف من “حزب الله” بمتابعة ملف الفساد في لبنان، تحمل في جذورها محاولة لنقل الازمة اللبنانية من قضية وطنية يؤمن بها ملايين اللبنانيين الا وهي انهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي في لبنان بدءا من سلاح “حزب الله”، ومهمتها (مع ان العنوان مشروع، وقضية الفساد العميم حقيقة لا بد من مواجهتها) حرف الانظار عن لب الازمة الوجودية التي تهدد وجود لبنان ومعناه وتركيبته ونظامه.

من حق المواطن ان تتم مكافحة الفساد. ومن حقه ان ينعم بارتفاع منسوب النزاهة في البلد، لكن من حقه ايضا الا يسمع من يحاضرون في النزاهة ومكافحة الفساد فيما هم مبتلون بعكسهما. ولا نقصد بذلك الحزب المشار اليه انفا، وانما الجميع وما اكثرهم.