يؤكد كثير من المعنيين والمتابعين لتولّي الحكومة الجديدة مسؤولياتها أنه لا يمكن قياس نجاحها أو فشلها إلّا بعد سنة من الآن، فإذا عالجت ملفي الكهرباء والنفايات تكون قد حققت نجاحاً باهراً يمكنها أن تبني عليه لمعالجة بقية الملفات، أما اذا لم تنجح فتكون قد فشلت فشلاً ذريعاً وفي هذه الحال عليها ان تستقيل.
 

منذ ولادة الحكومة يسأل كثيرون في لبنان وخارجه هل انّ هذه الحكومة ستكون قادرة على معالجة الأزمات المتنوعة التي يرزح لبنان تحتها؟ وجاء الصدام الذي شهدته الجلسة الأولى لمجلس الوزراء ليجعل هذا السؤال أكثر إلحاحاً.

يقول مواكبون لـ«المسيرة الحكومية»، إذا جاز التعبير، إنّ الخلاف على مستوى السياسة الخارجية يبدو انه مستمر، وإن كان البعض يعتقد انّ رئيس الحكومة سعد الحريري بات مقتنعاً بعد رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل انّ «حزب الله» صار قضية اقليمية وليست داخلية.

وفيما رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لا يتوقف كثيراً عند هذا الأمر، فإنّ «القوات اللبنانية» كانت وما تزال تعتبر «الحزب» «مشكلة داخلية».

وفي جانب آخر، يؤكد هؤلاء المواكبون، أنّ هناك ضغوطاً تمارسها الدول التي شاركت في مؤتمر «سيدر» على لبنان لوقف الفساد والهدر، تحت طائلة عدم تنفيذ ما أقرّه المؤتمر من قروض ومساعدات تبلغ ما يفوق الـ 11 مليار دولار يعوّل لبنان عليها لتخطّي الأزمة الخانقة التي يعيشها حالياً على المستويين المالي والاقتصادي، على أمل دخول البلاد لاحقاً في مرحلة هادئة تفتح الباب امام معالجات ناجعة مستقبلاً.

هناك أخطاء، يقول المواكبون، يرتكبها المعنيون في المفاوضات الجارية للاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، ولاسيما منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تمنح قروضاً بشروط ميسّرة وبفوائد منخفضة نسبياً ولآجال طويلة مقرونة بفترة سماح من الفائدة لخمس سنوات، في حين انّ الاستدانة من المؤسسات الأخرى مكلفة أكثر لأنّ فوائدها مرتفعة، فعلى الليرة اللبنانية تبلغ 15 في المئة وعلى الدولار تبلغ 10 في المئة، ولذلك هناك «قلة فهم وجهل»، للاستدانة من المؤسسات المالية الدولية.

ويعتقد هذا المصدر انه كان من الأجدى تأليف حكومة مصغّرة من 5 الى 6 وزراء يمثلون القوى السياسية الخمس أو الست الاساسية، لأنّ في ذلك ما يحقق وفراً مالياً على الدولة من جهة، ويجعل العملية السياسية أكثر مرونة وانضباطاً، ولكنّ المعنيين ذهبوا الى خيار الحكومة الموسعة بسبب انعدام الثقة بين أطراف اللعبة السياسية، مع العلم انه كان في إمكان رئيسَي الجمهورية والحكومة تلافي انعدام الثقة هذا بتأليف حكومة متجانسة، ولكن كان ما كان وتألفت الحكومة الحالية التي يخشى كثيرون من ان يتعارك الافرقاء المشاركون فيها دوماً على طاولة مجلس الوزراء لانعدام الثقة المتبادلة بينهم.

على انّ الحركة الاقتصادية،لا يمكن في رأي المواكبين إيّاهم، ان تنتعش في دعم الزراعة والصناعة فقط. فهذه الحركة تتجسد بنحو عملي ورئيسي في الاعمار، ولكنها لن تنتعش اذا لم يؤتَ بأموال من الخارج عبر قروض ميسّرة لقطاع الاسكان، ولا يمكن الرهان على الاستفادة من عملية إعادة سوريا لأنه حتى الآن لم يظهر من سيموّلها لا على مستوى الدول ولا على مستوى المؤسسات المالية الدولية التي لن تقدّم اي مال الّا بعد تحقيق الحل السياسي.

ويلفت المواكبون في هذا المجال الى تجربة لبنان الاعمارية التي كبّدته فوائد مرتفعة جداً بدأت بنسبة 45 في المئة، ثم بدأ المسؤولون العمل على تخفيضها الى أن بلغت 22 في المئة ايّام عهد الرئيس لحود، فلبنان استدان لإعادة الاعمار من خارج المؤسسات المالية الدولية، التي حاولت ان تقدّم قروضاً له ولكنّ محاولاتها فشلت.

فهي تقدّم القروض لمدة 5 سنوات، فإذا لم يستعملها المقترضون تُلغى أو تمدد لسنتين، فإذا لم يستعملوها تُلغى نهائياً، ولكنهم لم يستعملوها ولجأوا الى الإستدانة من مؤسسات أخرى ما زاد من حجم الدين وفوائده. على أنّ وضع لبنان في هذا المجال يختلف الى حد بعيد عن الدول العربية، فاللبنانيون يعالجون مشكلاتهم دوماً على طريقة أربح ـ رابح لا رابح ـ خاسر، بحيث لا يخرج اي طرف خاسراً وإنما يبقى رابحاً حتى ولو بنسبة ضئيلة، والمهم ان يكون هناك اي خاسر، في حين انه في العالم العربي يكون هناك دوماً رابح وخاسر، والرابح هو من ينبري الى السيطرة والتزَعُّم.

ويعود المواكبون الى السؤال: من أين ستأتي سوريا بالمال لإعادة إعمار ما تهدّم فيما لا يلوح في الافق انّ ثمة أموالاً آتية اليها. ويقولون انّ سوريا لا تستطيع ان تعتمد التجربة اللبنانية، أي الاستدانة من خارج المؤسسات المالية الدولية. ولكن اذا حصل اتفاق سياسي أنهى الازمة السورية، فإنّ هذه المؤسسات ستبادر الى التمويل ولكن حتى الآن لا يمكن التكهّن بأي شيء في هذا الاطار.

وماذا عن تعاطي الحكومة مع الوضع الاقليمي في ضوء احتمالات حصول مواجهة بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة ثانية؟

يجيب المواكبون الذي شغل بعضهم مراكز ديبلوماسية «انّ سنة 2019 لن تشهد تسويات لأزمات المنطقة، وكذلك لن تشهد حروباً، وفي خريف 2020 يمكننا الحديث عن سنة 2019، فالرئيس الاميركي دونالد ترامب الغارق في ملفاته القضائية أجرى تبديلاً من خياراته للتعاطي مع الواقع الاقليمي، وبدأ اهتمامه ينصَبّ على تركيا بعدما كان منصّباً على إيران. ما يطرح السؤال: ماذا عدا ما بَدا؟ والى أين من هنا؟»...