بانتظار نشر قرار المجلس الدستوري القاضي بإبطال نيابة ديما جمالي وإجراء إنتخابات فرعية للمقعد السني الخامس في طرابلس، ما تزال تداعيات هذا القرار تتفاعل سلبا، سواء لدى “تيار المستقبل” الذي يعتبر أن “في الأمر غدر وطعن بالظهر للرئيس سعد الحريري”، أو بالنسبة للائحة الكرامة الوطنية واللقاء الشاوري اللذين يعتبران أن “القرار هو عبارة عن سرقة موصوفة لمقعد نيابي كان من المفترض أن يؤول تلقائيا الى المرشح طه ناجي” الذي قدم أمس أدلة حسيّة دامغة تؤكد تفوق لائحة الكرامة بالكسر على لائحة المستقبل.

كثيرة هي التساؤلات التي تركها قرار المجلس الدستوري على أكثر من صعيد، لجهة: لماذا تم قبول الطعن فقط في طرابلس من بين 17 طعنا جرى تقديمهم في دوائر إنتخابية مختلفة؟، ولماذا قرر المجلس إعادة الانتخابات على المقعد السني في طرابلس؟، ولماذا لم يعلن فوز المرشح طه ناجي تلقائيا بالرغم من أن الفارق في الكسر ولو كان ضئيلا جاء لمصلحة لائحته؟، وما دخل المجلس الدستوري في الفارق البسيط؟، وكيف يمكن ألا يعوّل على هذا الفارق؟، وإذا كان الأمر كذلك، فأين ذهبت أصوات المقترعين السبعة الذين صوتوا للائحة الكرامة الوطنية وصنعوا هذا الفارق؟، وهل إعتبرت أصواتهم لاغية؟، وأين الديمقراطية والحرص على أصوات الناخبين في ذلك؟..

ثم، هل كان القرار موجها ضد الرئيس سعد الحريري بابطال نيابة أحد نوابه، وفي طرابلس بالذات التي لها رمزية كبرى على الصعيد السني؟، أم أن الأمر كان موجها ضد قوى 8 آذار بعدم إعلان فوز طه ناجي وإعادة الانتخابات التي تشير التوقعات الى أنها قد تكون مجددا لمصلحة ديما جمالي؟، أم أن هناك من يريد أن يعيد الانقسام السياسي الى طرابلس بمعركة إنتخابية تحاكي ما شهدته المدينة في إنتخابات عام 2018؟، وهل المطلوب أن تبقى طرابلس منشغلة بنفسها وبخلافات قياداتها لتبقى غارقة في الحرمان الذي يرخي بثقله عليها؟.

لا شك في أن أي تحليل إنتخابي ما يزال سابق لأوانه، خصوصا أن كل التيارات السياسية في المدينة تجري مشاورات مكثفة تمهيدا لاتخاذ القرار المناسب حيال التعاطي مع هذه الانتخابات، باستثناء الرئيس الحريري الذي تصرف بردة فعل سريعة وأعاد ترشيح ديما جمالي، وربما يترك ذلك تداعيات سلبية على تيار المستقبل بدأت تظهر في الدوائر الضيقة من خلال سعي البعض لاقناع الحريري بترشيح أحد الصقور لحاجته الى أحدهم بجانبه في مجلس النواب.

في غضون ذلك، يؤكد المرشح طه ناجي الجهوزية التامة لخوض الاستحقاق المقبل، لكنه مع حلفائه ينتظرون إكتمال المشهد الانتخابي ليبنوا على الشيئ مقتضاه حيال الترشح أو عدمه، في حين تشير معلومات الى أن الرئيس سعد الحريري سيتمنى على النائب محمد كبارة عدم تقديم إستقالته، ليحصر المشهد الانتخابي بمرشحته ديما جمالي وعدم فتح المجال أمام حصول معركة إنتخابية ضارية قد يكون من الصعب التكهن بنتائجها، ما يجعل اللواء أشرف ريفي يدرس خياراته بتمعن، ويضاعف من مشاوراته مع القاعدة الشعبية التي تطالبه بالترشح لاستعادة المقعد الذي خسره بفعل العديد من التدخلات والتي قدم فيها طعنا لم يأخذ المجلس الدستوري به.

يمكن القول أن كل هذه القوى تتطلع الى الموقف الذي سيتخذه الرئيس نجيب ميقاتي حيال هذا الاستحقاق، كونه صاحب الكتلة الأكبر في طرابلس، والرقم الأعلى في الأصوات التفضيلية السنية على الصعيد اللبناني، خصوصا أن موقفه سيكون له تأثيرا كبيرا على سير العملية الانتخابية وعلى المنافسة التي يمكن أن تحصل.

وبانتظار أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من التحالفات، فإن طرابلس ستعيش زمن الانتخابات مجددا، الى أن يحسم كل من الأطراف موقفه حيال تلك المعركة..