في أثناء السعي الى إزالة العقبات من طريق تأليف “الحكومة الأولى للعهد القوي” خلال الأشهر التسعة الماضية قيل الكثير عن مستقبل رئيسها سعد الحريري في وسائل الاعلام المتنوّعة، استناداً الى معطيات ومعلومات متناقضة وفّرتها جهات سياسية وحزبية وطائفية ومذهبية متناقضة بدورها. مِن الذي قيل إن هذه الحكومة ستكون آخر حكوماته. ويعني ذلك إما أنه لن يتمكن من حشد العدد اللازم من النواب للحصول على التكليف مستقبلاً، وإما أنه لن ينجح في التأليف، وإما أن حياته السياسية ستقترب كثيراً من نهايتها. ومِن الذي قيل أيضاً إنه قد يتعرض الى طعنة سياسية نجلاء تسددها له جهة أو جهات سياسية معروفة، وربما باليد التي استعملتها لتسديدها عام 2011 قبل دخوله البيت الأبيض لمقابلة سيده في ذلك الحين الرئيس باراك أوباما. ذلك كله يثير تساؤلات عن صحته عند اللبنانيين ولا سيما الذين منهم يتعاطون الشأنين السياسي والعام. والدافع إليها هو صمود العلاقة الجيدة بين الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون وخلفه في رئاسة “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، الذي هندس هذه العلاقة وكان سبب نشوئها ونجاحها. علماً أن المشرف عليها من بعيد أو قريب كان خصم الأول أو “عدوّه” ولا يزال سياسياً وشعبياً، وحليف الاثنين الاخيرين ومسلّفهما الكثير من التقدمات المتنوعة هو “حزب الله”.

 

والدافع الآخر هو تمسّك الحريري بربط النزاع مع “الحزب” بحجتين، الأولى حاجة البلاد الى تعاون كل مكوناتها لحل الأزمات غير السياسية التي جعلت الحياة مستحيلة فيها على أبنائها كما على الوافدين إليها من السياح والمغتربين. والثانية حاجة البلاد الماسة الى الاستقرار الأمني المرتبط بالاستقرار السياسي المرتبط بدوره بالاستقرار الاقتصادي – الاجتماعي. وقد عبّر عن ذلك بقوله في مناسبة خاصة ووطنية في آن بدعوته الى انتظار العدالة من “المحكمة الدولية”، وفي الوقت نفسه الى عدم استخدام حكمها أو أحكامها لضرب الوحدة الوطنية أو لزعزعة الاستقرار.

 

هل من أجوبة عن التساؤلات المشار اليها أعلاه؟

 

يجيب متابع جدي لحركة الجهات السياسية كلها في لبنان ومنها “حزب الله” المنتشر نفوذه في طول البلاد وعرضها فيقول: “لا أحد يستطيع أن يجزم أن حكومة “الى العمل” (هل هذا اسمها؟) ستكون آخر حكومات الحريري. فهي قد تبقى حتى نهاية عهد الرئيس عون، أو تستقيل طوعاً او بالإكراه قبلها بوقت قصير أو كبير جرّاء تطورات وربما مفاجآت غير محسوبة. لكن ما يمكن قوله على هذا الصعيد هو أن النظر في ما يمكن تسميته المستقبل السياسي أو على الأقل الحكومي للحريري يمكن أن يبدأ بعد استقالتها. وأنا لا أعرف صحّة أو مدى صحة المعلومات عن احتمال قيام الجهة التي طعنته عام 2011 بتكرار طعنه باليد نفسها، كما عن موافقة سوريا بشار الأسد على هذا الأمر في شكل أو في آخر في محادثات غير رسمية طبعاً حول هذا الموضوع، جرت في لقاء معيّن كان مخصصاً للبحث في قضايا أخرى. طبعاً يعتقد كثيرون أن سوريا هذه بدأت تستعد للعودة السياسية الى لبنان ولاستعادة وضع المقرّر الذي كان لها فيه قبل اخراج العالم لها منه عام 2005 بعد استشهاد الرئيس الحريري. ويحاول كثيرون في الوقت نفسه استخدام هذا الأمر للإيقاع بينها وبين أبرز حلفائها وأهمّهم “حزب الله” اللبناني، وذلك بالقول إن قرار لبنان الذي يمتلكه أو يمتلك أهم أجزاء فيه هذا “الحزب” سيعود الى دمشق و”أسدها”.

 

وهذا أمر لا يقلق قادته على الاطلاق. فحزبهم قوي جداً في لبنان، وسوريا أحد سببيْ ومصدريْ قوته والثاني إيران، والاثنان كانا ولا يزالان أهم مساعد لصمودها في وجه الانتفاضة – الثورة الشعبية ولا سيما بعد تحوّلها إرهاباً تكفيرياً. ولذلك فإن التشاور بينهما لم يقتصر يوماً على الحرب في سوريا وعلى المنطقة بل شمل دائماً لبنان. وذلك سيستمر في حال عادت “حليمة السورية الى عادتها القديمة” فيه، علماً أن مشكلاتها كبيرة وكثيرة ليس أقلها إعادة البناء والاعمار، وحلّها لا يبدو قريباً رغم نجاحها في معارك كثيرة سياسية وعسكرية. ويفرض عليها ذلك الاعتماد في لبنان على حليفها الأكثر وثوقاً مثلما اعتمدت عليه في الداخل عندها ولا تزال”.

 

يتابع المتابع نفسه فيقول “إن الظروف التي ستكون سائدة عند استقالة حكومة الحريري طوعاً أو قسراً أو دستورياً هي التي سترسم معالم الحكومة الجديدة وملامح رئيسها. علماً أن “حزب الله” يعتقد أن تجربة الحريري رئيس الحكومة معه كانت معقولة. وعلماً أيضاً أن المملكة العربية السعودية ستكون من العوامل التي ستؤثر في هذا الموضوع، وإن مطروحاً قبل أوانه. والسؤال الذي يُطرح هنا هو حسم وضع الحريري معها أو علاقته بها؟ والجواب الذي تؤكده المعلومات كلها هو: لم يُحسم بعد وذلك رغم كل الاجواء الايجابية التي يشيعها “بيت الوسط” و”تيار المستقبل” والتي لا تنفيها المملكة وفي الوقت نفسه لا تؤكدها بأعمال سياسية وغير سياسية ملموسة. فهي لم تعد الى احتضانه كما في السابق. لكنها أيضاً لم “تُرعبِن” على غيره أي لم تعتمد شخصية سنية قوية ومعتدلة تمارس دوراً مرجعياً في طائفتها أو لا تزال تبحث عنها. وعندما تصل الى وضع كهذا سيرى “الحزب” ما يمكن فعله ويقرّره. وهو الآن في وضع الانتظار على هذا الصعيد؟

 

هل صار “تيار المستقبل” لسعد الحريري وحده؟