قمة شرم الشيخ العربية الأوروبية تبحث عن توافق وإصدار إعلان يترجم العمل المشترك.
 
أولت القمة العربية-الأوروبية المتواصلة في مدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الأحمر تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار”، اهتماما بالتعاون الاستخباراتي بين البلدان العربية والأوروبية بشأن العائدين من مناطق الصراعات والتوترات، وزيادة التبادل المعلوماتي بشأن تأمين البحر المتوسط، والتأكيد على استمرار استراتيجيات مواجهة الإرهاب التي تبنتها الدول العربية.
 
ووضع تعدّد الملفات وترقب الإعلان عن نتائج محددة، تحديا أمام الزعماء العرب للوصول إلى خطاب عربي شبه موحّد في مواجهة الرؤية الأوروبية لتحقيق توازن في الحلول والصيغ السياسية المقترحة.
 
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، قد افتتحا فعاليات القمة، مساء الأحد، تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار”، بمشاركة أربعين رئيس دولة وحكومة من الجانبين في هذه القمة التي تعقد في ظل إجراءات أمنية مشددة.
 
وبذلت القاهرة جهودا كبيرة للتفاهم على خطاب عربي يحدّد أولوية القضايا، ويضع النقاط الخلافية جانبا، ويركز على الملفات التي تمثل هاجسا مشتركا للجميع.
 
وكشف الجدول الزمني للاجتماعات على مدار يومين، عن محورين يجمعان نقاشات زعماء الاتحاد الأوروبي والدول العربية، وهما تعزيز الشراكة، وسبل التعامل مع التحديات العالمية.
 
وعكست كلمات مسؤولين في الجانبين خصوصية القمة الأولى، التي تفرض جدية للوصول إلى رؤى توافقية بين الدول المشاركة، أو على الأقل نتائج ملموسة يمكن الإعلان عنها في البيان الختامي للقمة.

وتزداد مسألة التوافق تعقيدا مع تعدد القضايا المطروحة للنقاش، والتي تتراوح بين أزمات إقليمية ملتهبة مثل ملفات سوريا وليبيا وفلسطين والعراق، وقضايا تمس دول أوروبا مباشرة مثل الهجرة غير الشرعية والإرهاب، وكلها موضوعات تحتاج إلى مشاورات مضنية، مع الهوة الواضحة في الحلول التي تتبناها كل دولة.

واعتبر السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أن القمة “مساحة نادرة لحوار القادة بشكل منفتح في جميع القضايا التي تهم الجانبين”.

وقال إن القمة تحمل اختلافا لكونها لا تتبنى أوراقا معدة مسبقا، وسيتم الاعتماد على تسجيل التوافق الذي ينتج عن الحوار، وإصدار إعلان يترجم العمل والتحرك المشتركين.

ويرى مراقبون أن أوروبا باتت تعي أن استقرارها مرتبط بشكل عضوي بالتطورات الحاصلة في العالم العربي، وأن الهجرة والإرهاب والوضع الاقتصادي وشؤون الحرب والسلم مسائل تهمّ العالمين الأوروبي والعربي.

وتحتاج أوروبا إلى التوقف عن إعطاء الدروس لمعالجة ملفات متفرقة، وصار عليها أن تستمع جيدا إلى رأي العرب لمقاربة معضلاتها.

 

ويرى محللون أن أوروبا كما العالم الغربي يتحملان مسؤولية كبيرة في ما آلت إليه الأمور في العالم العربي، وأن أزمات ليبيا وسوريا واليمن والعراق، كما انتفاخ ظاهرة الإرهاب التي دفع ثمنها أهل المنطقة تعود أيضا إلى تباعد النظرة إلى الأمور بين العرب والأوروبيين.

 

ويضيف هؤلاء أن محاولة أوروبا التدخل تارة في شؤون المنطقة والنأي بنفسها تارة أخرى عن التدخل لوقف المآسي في بعض بلدان المنطقة، أدت إلى أن أصبحت مشكلات اللاجئين والإرهاب في حضن أوروبا ومدنها.

 

وطالب محللون بناء على تجارب السنوات الأخيرة بأن يعمل الطرفان وفق تموضع جديد لما فيه مصلحة أوروبا قبل مصلحة العرب.

 

واعتبر ج. أي هلير، المحلل السياسي في المعهد الملكي بلندن، أن مشاركة الاتحاد الأوروبي تساعد الرئيس المصري على تحسين موقفه الدولي بعد انتقادات تعرض لها، وقال هلير “مصر تريد أن تؤكد أنها تفكر جيدا في العالم.. وعرفت كيف ترضي أوروبا بحل مشكلات الهجرة ومكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي”.

 

ولفت بيير فيمون، الباحث في مركز كارنيغي للدراسات، إلى أن الاتحاد الأوروبي يتبنى سياسة براغماتية لتحقيق مصالحه الخارجية، وأدى ذلك إلى ظهور تعارض مع التزامات أوروبا تجاه حقوق الإنسان، التي كانت أساس هوية الاتحاد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يحاول إيجاد سياسة خارجية أكثر واقعية مما كانت عليه في الماضي.

وقال بريبن أمان الناطق باسم الاتحاد الأوروبي إن “الاتحاد هو الشريك التجاري الأهم للدول العربية”، وإن حجم التجارة يوازي التجارة مع الصين والولايات المتحدة وروسيا مجتمعة.

وأوضح السفير نبيل بدر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية لـ”العرب” أن أهمية القمة في الحضور الواسع، وهو أمر يشي بأن هناك رغبة للوصول إلى نتائج قابلة للتطبيق.

وأكد أن عدم إعلان الجامعة العربية مسودة بيان ختامي للقمة قبيل انعقادها، يبرهن على وجود مفاوضات تبذلها أطراف عدة للخروج بتوافق حول القضايا المتشعبة المطروحة للنقاش.

وأضاف أن الاجتماعات بين الجانبين هي “امتداد لحوار الأديان بين الأزهر والفاتيكان، والذي رعته دولة الإمارات المتحدة، وأن الاتحاد الأوروبي يسعى لترجمة الخطابات الدينية إلى مواقف سياسية تظهر نتائجها على أرض الواقع، خاصة أن الحاجة إلى الحدّ من خطر التطرف تدفع للوصول إلى نقاط اتفاق تسهم في المواجهة الأمنية والمجتمعية للإرهاب.

وانعكس التنسيق العربي قبيل افتتاح القمة في اللقاءات التي أجراها الرئيس المصري مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التونسي الباجي قايد السبسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس والعراقي برهم صالح في مسعى لتحقيق صيغة لتفاهم مشترك حول القضايا المطروحة.

واتفق الزعماء العرب على تكثيف التعاون والتنسيق كدعامة أساسية لحماية الأمن القومي العربي، ومواجهة التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة، واستمرار الجهود المشتركة سعيا إلى التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة، بما يحفظ السلامة الإقليمية، من خلال بلورة رؤية تكفل تعزيز القدرات العربية لمواجهة التحديات المتزايدة للأمن الإقليمي.

واعتبر مصطفى السعيد، المحلل السياسي في الشؤون الإقليمية، لقاء الرئيس المصري بالعاهل السعودي، متمما لمحاولات سابقة لتوحيد الخطاب العربي، ولكنها فشلت على وقع تفاقم المشكلات بين البعض من الدول العربية.

وأدى الانسداد العربي إلى اقتصار سبل التنسيق العميق على دول التحالف الرباعي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لأن اختلاف المصالح وغياب الإرادة السياسية يقفان حجر عثرة أمام تقديم خطاب عربي عام وحيوي مشترك.

وأضاف السعيد في تصريح لـ”العرب” أن الحوار العربي الأوروبي في شرم شيخ “فرصة لحضّ الدول العربية على المزيد من التقارب، لأن الفترة الراهنة تشهد رغبة من قبل غالبية الأطراف لغلق بعض الملفات الإقليمية المفتوحة، والعديد من الدول التي انخرطت في أزمات سياسية وعسكرية أصبحت مهيأة للتهدئة، وقد يكون ذلك المحور الوحيد الذي يحظى بتوافق كبير.