بدأ العد العكسي للحكومة الحالية برئاسة الرئيس سعد الحريري، من لحظة تشكيلها، لا من لحظة إنعقاد جلستها الاولى المتوترة قبل أيام.العمر الافتراضي المقدر لهذه الحكومة هو سنتان على أبعد تقدير، وإذا حصلت معجزة، او مشكلة كبرى في المحيط. ثمة من يقول ان سنة واحدة للحكومة تكفي وتزيد، إنفجارها من الداخل لن يتأخر أكثر. أما إنفجارها من الخارج، فقد يحصل في أي لحظة.

هي حكومة الرئيس ميشال عون الاولى، لكنها لن تكون الاخيرة بالتأكيد. الزعم أنها ستشرف على الانتخابات النيابية المقبلة، في العام 2022، وستشهد الانتخابات الرئاسية المقررة في العام نفسه ايضاً، مع ما يسبق هذين الموعدين من إستحقاقات سورية حرجة، أولها الانتخابات الرئاسية المقررة في صيف العام 2021، والتي ستكون ذروة الصراع الروسي الايراني وخلاصته النهائية.

المهم أن حكومة الحريري الثانية او الثالثة، لن تعمر طويلا. والسؤال عن سقوطها السريع، لا يبدأ بكلمة كيف، بل متى؟ أما الثمن فإنه معروف ومحدد سلفاً. رئيسها، الذي لا يمكن أن يوصف الآن إلا بأنه "أسير حرب" وقع في قبضة حزب الله والتيار العوني، ولم يحرره المنصب، ولن يحرره.. هو الضحية الاولى، حتى ولو تمكن من مضاعفة شعبيته المتآكلة وتعزيز مؤسساته السياسية والمالية المتهالكة، خلال فترة أشهر لا أكثر. وهذا مستحيل.

ف"الأسير" الحريري يترأس حكومة تسير بعكس ما تشتهيه سفنه. الزحف الرسمي الى دمشق، الذي بدأ قبل أن تنال حكومته الثقة، والذي بلغ حد التغني بالجيش السوري، سيتحول خلال الفترة المقبلة، الى موجة عاتية تقتلع في طريقها كل من يعارض او حتى يتحفظ على الارتماء مجدداً في أحضان نظام الرئيس بشار الاسد، الذي يستعد هو الآخر لفتح دفاتره القديمة، ومحاسبة الحلفاء اللبنانيين قبل الخصوم على كل كلمة أو حركة يد أو بسمة صدرت عنهم خلال السنوات الثماني الماضية.

لا يتمتع الرئيسان عون والحريري بما يكفي من الحنكة والحكمة لإدارة هذا الملف المعقد بما يحول دون تفجر الحكومة، وربما الشارع في مرحلة ما. فتوزيع الادوار والمهام داخل السلطة التنفيذية بين "الزاحفين الى دمشق" وبين "النائين بأنفسهم"، الذين يمكن أن يلزموا مقراتهم في بيروت، كان وما زال ممكناً، وقد يصبح ملحاً، لكي تكمل الحكومة الاشهر القليلة المحددة من عمرها الافتراضي، من دون الادعاء بأن العلاقة مع نظام الاسد ليست إشكالية، ولن تكون عبوة ناسفة موقوتة.

وليست تلك العلاقة هي المفجّر الوحيد للحكومة، بل فقط الاسرع والاخطر. أزمة الكهرباء هي الصاعق الثاني. وهنا أيضا لا يبدو أن العهد وحكومته الاولى يتملكان الافكار والادوات المطلوبة للحل، برغم الالحاح الدولي والعربي على أولوية تلك الازمة التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والنقدي والامني للبلد. العروض كثيرة، لكنها كلها تحتاج الى مقدمات شبه مستحيلة. والتجربة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان السلطة ستلجأ الى المزيد من الضرائب بدلا من مكافحة الفساد والهدر.

العروض كثيرة والضغوط أيضاً. لكن، حتى ولو أنعقد مجلس الامن الدولي نفسه، وفي جلسة علنية طارئة، وإتخذ بإجماع أعضائه ال15، قراراً ، تحت الفصل السابع، يلزم الحكومة اللبنانية، بمعالجة أزمة الكهرباء فوراً، فإن الأمل ضعيف في أن يخرج لبنان من هذا النفق المظلم، في ظل التشكيلة الوزارية الحالية، وفي ظل الصراعات والمزايدات التي تتشكل بين مكوناتها..هذا عدا عن أن العمولات من أي صفقة كهربائية مقترحة، ستكون الأكبر ربما في تاريخ البلد وطبقته السياسية، ويمكن أن تشعل وحدها حرباً أهلية جديدة.

لم يعد الأمل هو في أن تصمد الحكومة الحالية حتى نهاية العهد، أو حتى سنتين فقط، بل أن ترحل بأقل قدر من الاضرار الاقتصادية والسياسية، وحتى الامنية، التي تتيح البحث الهادىء عن بدائل أفضل..أو عن فراغ منظم، يمكن أن يصبح حلماً مرجواً.