الأكراد يشيدون بالخطوة الأميركية كضرورة لحماية المنطقة، واستكمال إجلاء المحاصرين يحدد ساعة الصفر لإنهاء وجود داعش.
 

 أفضت الضغوط المسلطة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الانسحاب غير المدروس من سوريا إلى تثبيت الوجود الأميركي في منطقة شرق الفرات ولو بقوة رمزية، في خطوة تحمل رسائل متعددة إلى تركيا وروسيا وإيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وأعلن البيت الأبيض مساء الخميس عن خطط لإبقاء “قوة حفظ سلام صغيرة” في سوريا ليغير جزئيا قرار ترامب سحب كل الجنود وعددهم 2000.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز “ستبقى في سوريا لفترة زمنية مجموعة صغيرة لحفظ السلام قوامها نحو مئتي جندي”.

ولم تذكر ساندرز أي تفاصيل إضافية، لكن وصف القوة بأنها “لحفظ السلام” في سوريا يمكن أن يحفز حلفاء أوروبيين على إرسال قوات إلى هناك لمهمة من هذا النوع.

وواجه وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان الأسبوع الماضي صعوبة في إقناع دول أوروبية حليفة لبلاده بالإبقاء على قواتها في سوريا بعد انسحاب الجنود الأميركيين.

وجاءت الخطوة الأميركية استجابة لضغوط مختلفة خاصة من جنرالات بارزين في وزارة الدفاع “البنتاغون”، الذين لم يخفوا أن الانسحاب يعني فسح المجال أمام روسيا لبسط نفوذها في سوريا، وكذلك فتح الطريق أمام تركيا وإيران لتنفيذ أجندات تتناقض جذريا مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في المنطقة، وخاصة دول الخليج.

ولم يخف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف منذ أيام قلق بلاده من هدف الولايات في إقامة “دويلة على الضفة الشرقية لنهر الفرات”.

وقال في تصريح صحافي إن “واشنطن تمنع حلفاءها من الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية ببقية أنحاء سوريا (المناطق الخاضعة لسيطرة النظام)”.

وإذا كانت واشنطن تدير حوارات مستمرة بشأن أفق الحل في سوريا مع الشريك الروسي، فإن قرار الانسحاب أثار مخاوف في العلاقة مع تركيا وإيران اللتين بحثتا عن ملء الفراغ.

ولم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته وبشكل علني في الهجوم على منطقة تمركز الأكراد ثم تراجع إلى فكرة المنطقة الآمنة بزعم التنسيق مع نظيره الأميركي.

وبدا أن واشنطن سعت لتقديم تطمينات لأنقرة بشأن ما بعد الانسحاب، وأن الأكراد لن يشكلوا أي خطر على أمنها، لكن ذلك لم يفض إلى نتيجة. ويمكن أن يكون الموقف التركي المتشدد أهم عنصر دفع الأميركيين إلى مراجعة موقفهم، وتحويل الانسحاب الكامل إلى انسحاب جزئي سيعيق ولا شك أي محاولات تركية للتدخل العسكري المباشر.

كما أن التراجع الأميركي عن انسحاب غير مدروس سيعطل خطط إيران التي كان حلفاؤها في العراق يتهيأون لدخول المناطق الواقعة تحت نفوذ الأكراد بزعم تتبع أنشطة تنظيم داعش، وخاصة المناطق التي تضم آبار النفط.

ورحبت الإدارة التي يقودها الأكراد والتي تدير مساحة كبيرة من شمال سوريا بقرار الولايات المتحدة إبقاء 200 جندي أميركي في سوريا بعد سحب القوات، قائلة إن ذلك سيحمي منطقتهم وقد يشجع دولا أوروبية على أن تبقي قواتها أيضا.

وقال عبدالكريم عمر أحد مسؤولي العلاقات الخارجية في المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة لرويترز “نقيم قرار البيت الأبيض بالاحتفاظ بمئتي جندي لحفظ السلام في المنطقة… إيجابيا”.

وأضاف “هذا القرار يشجع الدول الأوروبية الأخرى وخاصة شركاءنا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، على الاحتفاظ بقوات في المنطقة”.

وعبر عن اعتقاده بأن بقاء عدد من الجنود الأميركيين وعدد أكبر من قوات التحالف وبحماية جوية، سيلعب دورا في تثبيت الاستقرار وفي حماية المنطقة أيضا.

وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية تحت قيادة وحدات حماية الشعب الكردية عدوا. وكان مسؤولون أكراد يخشون من أن الانسحاب الأميركي الكامل سيخلق فراغا أمنيا ويسمح لتركيا بشن هجوم تتوعدهم به منذ فترة طويلة.

وأجرى الأكراد، الذين يريدون حكما ذاتيا في سوريا، اتصالات مع حكومة الرئيس بشار الأسد طلبا لضمانات أمنية مع انسحاب واشنطن.

وقال عمر “أعتقد أن بقاء هذه القوات في هذه المنطقة، ريثما تحل أزمة البلد سيكون حافزا وداعما ووسيلة ضغط أيضا على دمشق لكي تحاول جديا في أن يكون هناك حوار لحل الأزمة السورية”.

واستأنفت قوات سوريا الديمقراطية الجمعة عملية إجلاء المحاصرين داخل الجيب الأخير لتنظيم داعش في شرق سوريا، في خطوة من شأن استكمالها أن يحدد ساعة الصفر لحسم المعركة سواء عبر استسلام الجهاديين أو إطلاق الهجوم الأخير ضدهم.

وهي الدفعة الثانية التي يتم إجلاؤها من الباغوز، بعد خروج ثلاثة آلاف شخص الأربعاء، وفق ما أحصت قوات سوريا الديمقراطية، مشيرة إلى أن الخارجين من جنسيات مختلفة وبينهم عراقيون ومن دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبيون.

ولم يُسمح للصحافيين في اليومين الماضيين بالاقتراب من المدنيين أو التحدث إليهم في منطقة الفرز التي نقلوا إليها قرب الباغوز.

وقال ديفيد يوبنك، مؤسس مجموعة “فري بورما راينجرز” التي تضم متطوعين غالبيتهم أميركيون يقدمون المساعدات الطبية، إن هناك “العديد من الفرنسيات” بالإضافة إلى نساء من ألمانيا والنمسا وروسيا وسيدة من بريطانيا كنّ في عداد من خرجوا الأربعاء.

وأوضح أن النساء والأطفال وصلوا وهم يعانون من “جوع شديد”.

ويعيش المحاصرون في جيب التنظيم الأخير في ظروف بائسة في ظل نقص الطعام والمياه والأدوية. ويصلون إلى مواقع قوات سوريا الديمقراطية في حالة يرثى لها.