تتّجه الأنظار الى المؤتمر الصحافي الذي سيعقده ظهر اليوم رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان لإعلان 18 قراراً في طعون قدّمها متضرّرون من الإنتخابات النيابية الأخيرة. وفي ظلّ التكتّم على مضمون هذه القرارات قبل إعلانها يُطرح السؤال: هل يفعلها المجلس الدستوري اليوم فيبطل نيابة البعض ويقول كلمته ويمشي؟
 

على رغم كل الظروف الصعبة التي رافقت عمل المجلس الدستوري منذ أن تسلّم الطعن الأول في نتائج الإنتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار الماضي، فقد أنجز عبر اللجان المتعددة التي شُكّلت للبحث في مضمون 18 طعناً نيابياً تقدّم بها عشرات المرشحين المتضررين من نتائج الإنتخابات، وما رافقها من أخطاء إدارية وفنّية وتقنية عدا عن الضغوط السياسية والحزبية التي شكا منها أكثر من مرشح في أكثر من دائرة انتخابية عدا عن تلك التي طاولت صناديق الإغتراب التي وصلت إما فارغة من تقاريرها او انها لم تصل قبل اعلان النتائج في بعض الدوائر الإنتخابية.

والى ذلك يعترف المراقبون الذين واكبوا عمل المجلس منذ بدء البحث في الطعون أنّ اعضاءَه أبدوا صلابة واضحة عند البحث في البعض منها، على رغم الوهن الذي اصاب بعضهم في الأيام الأخيرة من أجل تسجيل الإعتراض على بعض القرارات الكبرى في ظلّ الضغوط المتنوّعة التي بقيت طيَّ الكتمان.

ولا بد من الإشارة الى مجمل الصعوبات التي واجهها المجلس عند التحقيق في بعض المراجعات حيث افتقد الى كثير من النتائج والأرقام التي كان يحتاج اليها ما اضطره الى معاودة «العدّ» في بعض أقلام دوائر بيروت وبعلبك - الهرمل والخارج وغيرها. وانتظر لبعض الوقت نتائج مراسلاته مع مديرية الشؤون السياسية في وزارة الداخلية، واستمع الى إداريين وقضاة وموظفين كبار في الوزارة للتثبّت من بعض المخالفات التي أشار اليها بعض الطعون.

ولا ينكر العارفون أنه بعد اكتشاف بعض الأخطاء في عدد من الدوائر التي قارب بعضها الفضائح، عُزِيَ الأمر الى أخطاء ارتكبها جهاز المكننة أو أنّ بعض البرامج قد أخطأ في الوصول الى أرقام ومعطيات صحيحة قبل ان يَثبُت أنّ تلاعباً «ذكياً» حصل في بعض البرامج، وأنّ معطيات خاطئة تمّ تلقينُها للأجهزة وبُني بعض النتائج عليها. ومنها ناجم من وصول جداول غير دقيقة، وربما حصل التلاعب بها بطريقة ما بقدرة قادر.

ولا ينسى العارفون أن يشيروا الى اختفاء أصوات من بعض الأقلام التي اقترع فيها مرشحون وعائلاتهم فلم تُحتَسب نتائجُها أو أنها لم تصل الى لجان القيد، وباتت إعادةُ احتسابها بعد البحث عنها عملية مضنية رغم أنّ بعضها لم يكن في الحجم الذي يقدّم أو يؤخّر في النتائج التي آلت اليها العملية الإنتخابية كما حصل في بعض الدوائر الكبرى ومنها بعلبك ـ الهرمل والتي بقيت محصورة ببضع مئات من الأصوات، على سبيل المثال لا الحصر. فالفروق بعشرات الأولوف من الأصوات لم تعدّلها عشرات الاصوات من هذا القلم أو ذاك.

وللتمعّن اكثر في تفاصيل بعض الطعون تبيّن للباحثين انّ ثمّة أقلام إغتراب أُلغيت لأنها لم تصل الى بيروت كما هي حال قلم من نيجيريا. عدا عن الإتيان بقلم «نانت» الفرنسية مثلاً مُصفّراً بلا أيّ أرقام او وثائق انتخابية، وعندما سُئل عن السبب قيل إنّ احداً لم ينتخب على رغم أنّ الإنتخابات جرت فيها حسبما أُعلن يوم الإنتخاب، وقيل لاحقا إنّ لبنانيين اثنين انتخبا فيه. كذلك سُجّلت اخطاءٌ في البعض الآخر من اقلام الإغتراب فتمّ تصفيرُها.

ولم يغص المطلعون على كثير من التفاصيل في حال بعض الدوائر الإنتخابية لأنّ المخالفات المرتكبة لم تكن بسيطة او تافهة لكنها لا تغيّر في النتائج التي آلت اليها، لكنّ الإشارة اليها تبقى واجبة. فالتحقيقات التي اجريت كان يجب أن تشير الى كل ما وقعت الأنظار عليه على رغم حجم المصاعب الذي واجهته اللجان التي شكلها المجلس ووزّع عليها الطعون لدرسها والبتّ بها.

وقبل ذلك تجدر الإشارة الى أنّ هناك معطيات لم تكن متوافرة لدى بعض اللجان ما جعلها تشكّك في إمكان التوصل الى كثير من الحقائق. فقانون الإنتخابات مثلاً كان يقول إنّ «من واجب هيئة الإشراف على الانتخابات وضع تقرير يتناول المخالفات التي حصلت والقرارات المتّخذة في شأن مصاريف الحملة الإنتخابية لكل مرشح وفي مهلة أقصاها السابع من تشرين الثاني، لكنّ ذلك لم ينجز حتى بداية كانون الثاني مطلع السنة الجديدة فيما كان بعض المقرّرين قد وضعوا تقاريرهم.

وفي ظلّ تكتّم المجلس الدستوري على مضمون قراراته التي سيعلنها اليوم، فمن نافل القول إنّ هذه القرارات «مبرَمة» ولا تقبل المراجعة وهي ملزمة لكل السلطات العامة والمراجع القضائية والإدارية والتشريعية، حسب ما تنصّ المادة 13 من قانون إنشائه، والمادة 43 من قانون نظامه الداخلي. على أنّ التسريبات التي حصلت منذ امس وقبله والتي تناولت إبطال نيابة هذا النائب أو ذاك في بعض الدوائر فإنها، في حال صحّ بعضُها، لن تغيّرَ في شكل التحالفات الإنتخابية وأحجام الكتل النيابية المعرَّضة للهزّات والتردّدات المرتقبة من قرارات اليوم. فالنائب المطعون في نيابته يستمرّ في ممارسة مهماته الى أن يصدر القرار النهائي في شأنه فإن طاله قد يعلن فوز الطاعن بمقعده، ولربما اقترح القرار إعادة الإنتخاب مرة أخرى.

على أنّ اعضاء المجلس لا يستطيعون إنكار وجود بعض الضغوط السياسية وغير السياسية لكنهم جزموا بأنهم قالوا كلمتهم النهائية في ما سيصدر اليوم من قرارات. فالمجلس بتركيبته الحالية يودّع مقرّه قريباً متى أُنجزت التسوية السياسية او «الصفقة المقبلة» الموضوعة على نار هادئة منذ فترة طويلة حول تركيبة المجلس الجديد. ولذا كان لا بدّ لأعضاء المجلس من قول كلمتهم النهائية قبل أن يمضوا في حياتهم العادية، والبعض منهم سئم التمديد الإجباري لمهماته وينتظر ساعة الفرج. ولكن متى وكيف؟