يتنقّل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بخفّة في فضاء تغريداته بين السينما، القضايا الاجتماعية، البيئية، السياسة الدولية، ومستقبل البشرية، ليعود من «برمته» إلى المستنقع اللبناني. لا مشتركَ بينها سوى قدرة «بيك المختارة» على مزج الزيت في الماء!
 

نموذج لا يشبه غيره من السياسيين. لطالما بدا استثنائياً بشهادة مؤيّديه ومعارضيه، في أدائه الجامع بين التناقضات وفي خطابه المنقلب على نفسه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. زعيم غير كلاسيكي لزعامة تقيلدية. وها هو اليوم يعبّر خيرَ تعبير عن «خصوصية» حالته من خلال تغريداته «المختصرة المفيدة» وتلك الرسوم المرفقة.

يتصرّف ببرودة فيما الإنذارات تتوالى من حوله، تشي في أنّ الآتي أعظم. لكنه مطمئنّ إلى تجذّر زعامة المختارة في وجدان الموحِّدين لا تقتلعها موجاتٌ عابرة، فيترك العواصف المحيطة به تتحكّم بالمركب، ويترقب، كما يؤكد إشتراكيون.

يدرك جيداً أنّ تهديد حليفه «العتيق» سعد الحريري بالاصطدام مع أيٍّ يكن لأنّ «مَن سيقف في وجهي عليه أن يتنحّى وأنا سأكمل ولو اصطدمت مع مين ما كان»، يقصده خصوصاً... ولو أنه لم يتخيّل يوماً أنّ العلاقة مع نجل رفيق الحريري ستتحوّل بين «ليلة عهد وضحاها»، خصومة شرسة!

مَن كان يصدّق أنّ مفردات السجال حول «عمى المال والحُكم» و»الاضطرابات في الحسابات» و»حُرّاس الهدر»، و»التغريد الذي لا يصنع سياسة»، ستكون عنوان المرحلة، بين «بيت الوسط» والمختارة؟ ومع ذلك لا يبدو أنّ الزعيم الدرزي مصدوم، أقلّه راهناً.

لم يتأخر جنبلاط كثيراً لكي يعرف في «النقطة والفاصلة» مضامين «الاتفاق الباريسي الأول» بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وملحقاته، والقاضي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

أكثر من ذلك، يقول أحد عارفيه القدامى إنّ الزعيم الدرزي كان من أوائل مَن التقطوا إشارات التفاهم الثنائي «المكتوم»، بينما كان «حزب الله» لا يزال غيرَ مقتنع في وجود «بنود سرّية» بين «الحليفين الجديدين»، على رغم تحذيرات رئيس مجلس النواب نبيه بري... إلى أن كذّبت «المياه الغطّاس».

توالت الإشارات السلبية التي تُثبت في الوجه الشرعي أنّ التفاهم الثنائي عنوانه فتح صفحة جديدة في البلد، والذي تمّ تجديده في باريس أيضاً عشية تأليف الحكومة، لا يتحمّل طرفاً ثالثاً. والمقصود بالطرف الثالث اثنيْن لا ثالثَ لهما: بري وجنبلاط.

حسب الاشتراكيين، الاعتبارات كثيرة وكلها تصبّ في خانة تضييق واحدة. أولى تلك الإشارات كانت لحظة تجميع «بازل» قانون الانتخابات، ومن ثم الانتخابات في حدّ ذاتها، حيث يشهد الإشتراكيون أنّ «حزب الله» وحده وقف إلى جانبهم، في المقابل أثار موقف النائب طلال ارسلان الجدل، والشكوك حول خلفياته.

يرى الاشتراكيون أنّ جنبلاط أرسل حينها الوزير السابق غازي العريضي إلى خلدة ليسأل «ميرها» عن إمكانية التعاون الانتخابي على قاعدة ترشحه مع شخصية مسيحية من جانبه (قُصد بها مروان أبو فاضل)، إلى جانب «أيّ فريق سياسي قد يكون ملتزماً معه ولا نتفق معه سياسياً». لكنّ المفاجأة كانت الرفض المطلق.

يشير الإشتراكيون إلى أنّ تاريخ الخصومة بين اليزبكيّين والجنبلاطيين لم يشهد مثيلاً لخطاب المرحلة الأخيرة. ثمّة تقليد أو لياقة بين الفريقين لم يتمّ تجاوزُها يوماً. فيما تخطّى أخيراً الخطوط الحمر... إلى أن وقعت حادثتا الشويفات ومن ثمّ الجاهلية.

في موازاة ذلك، يلفت الاشتراكيون إلى أنّ هذه التطورات ترافقت مع متغيّرات ميدانية حصلت في سوريا يعتبرها النظام السوري انتصاراً، لكنّ جبنلاط لم يسلّم بهذا الانتصار وأبقى على حال الكباش مع دمشق. ولكنّ ثمّة عقلاً لبنانياً يقلق النظام السوري هو العقل الجنبلاطي، وهناك حسابات دفينة أفضت إلى تلاقي المصالح بين دمشق و»رئيس التيار الوطني الحر». فكان ما كان.

في المقابل يتصرّف الحريري وكأنه يمنح باسيل «شيكاً على بياض»، حسب ما يقول عارفو جنبلاط. سبق له خلال مرحلة صوغ قانون الانتخابات أن أبلغ إلى سائليه بالحرف الواحد إنه ليس مستعدّاً لرفض أيّ طلب لرئيس الجمهورية. فكيف له أن يساند جنبلاط إذا كان لا يملك القدرة على مساندته؟

يقولون إنّ المختارة تواجه أكثر المراحل استهدافاً، لكنها غير مربكة أبداً. فالحريري وباسيل يبنيان للمستقبل، لعهد لم يولد بعد. ولذا فإنّ إمكانية نسف تفاهماتهما أشبه بضرب من المستحيل. وبالتالي إذا لم يكن رئيس تيار «المستقبل» شريكاً في استهداف جنبلاط، فهو في الحدّ الأدنى لا يمانعه أو يتصدّى له.

ولهذا هناك كثير من الأسباب التي تجعل من الأزمة الحريرية - الجنبلاطية ناراً تحت الرماد. تهدئتها لا تعني أبداً إخمادَها، طالما أنّ موجباتها سائدة، فهذا يعني استمرارها.

الأكيد حتى الآن، أنّ «حزب الله» لا يتوافق مع السوريين ولا مع حلفائه اللبنانيين في أسلوب تعاطيهم مع جنبلاط، ولديه كثير من الملاحظات على أدائهم. والأكيد أنّ «القريدس والكافيار» اللذين سيجمعان الحريري وجنبلاط اليوم على مائدة العشاء، لن يكونا سوى محاولة خجولة لتنظيم الخلاف. أما عودة الساعة إلى الوراء، فتبدو مستحيلة.