نالت حكومة العهد الأولى الثقة في مجلس النواب، وهي من المفترض أن تنطلق في العمل على صعيدين: الأول بمفعول رجعي لتعويض اللبنانيين تسعة أشهر من الانتظار تعرض فيه لبنان لشتى أنواع المخاطر، والثاني البدء بالتواصل مع الهيئات المانحة للتأكيد على مقررات مؤتمر “سيدر” والبدء بإعداد الدراسات العائدة للمشاريع الممولة منه، والتي تضمنها البيان الوزاري.

لكن ما يثير إستغراب اللبنانيين هو طرح وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن موضوع الزواج المدني ورغبتها بإيجاد إطار له وفتح نقاش مع المرجعيات السياسية والدينية بشأنه، وهذا الأمر لا علاقة له لا بالمفعول الرجعي من العمل الانمائي، ولا بالدراسات المتعلقة بمشاريع “سيدر”، بل هو كفيل بإثارة النعرات، ويؤدي الى انقسام الشارع اللبناني بين مؤيد ومعارض له وصولا الى توترات في الشارع البلد بغنى عنها.

صحيح أن كلام الوزيرة الحسن جاء في معرض ردها على سؤال خلال مقابلة صحافية، وهي كانت قادرة على أن تعطي إجابة مقتضبة، بأن “في البلد أمورا وقضايا أهم جدا في الوقت الحالي من “الزواج المدني” وكانت أغلقت الباب الذي جاءت منه ريح الرفض والغضب، إلا أن توسعها في الموضوع أظهر أن في الأمر نوايا مبيتة سواء لجهة طرح السؤال ومن ثم على صعيد الاجابة الموسعة التي أحدثت إنقساما بين اللبنانيين.

ما حصل يطرح الكثير من التساؤلات لجهة: هل إنتظر اللبنانيون تسعة أشهر لتشكيل الحكومة ليكون الموضوع الأول الذي يطرح من قبل وزيرة الداخلية هو الزواج المدني؟، هل بات المواطن اللبناني يتمتع بكامل حقوقه من طبابة وإستشفاء وبيئة نظيفة ومياه غير ملوثة وبنى تحتية وكهرباء على مدار الساعة حتى يشغل باله بأمور خلافية من هذا النوع؟، وهل قضت الحكومة على الفقر والبطالة والتسرب المدرسي حتى تعمل على تنظيم الأحوال الشخصية للبنانيين؟، وهل الزواج المدني هو بند سري ضمن بنود مؤتمر “سيدر”، حيث يريد العالم لهذا البلد المزيد من الانفتاح والحرية اللامسؤولة تمهيدا لدور جديد قد يلعبه في المنطقة؟..

منذ فترة يشعر اللبنانيون أن بعض البرامج التلفزيونية تركز على كثير من القضايا التي لا تمت الى ثقافتهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم بصلة، وذلك لجهة الترويج للمثلية الجنسية، والتحوّل الجنسي، والدعارة وما شابه ذلك، وإستضافة بعض الأشخاص المعنيين بهذه الأمور والاستماع الى وجهات نظرهم والى تجاربهم ومحاولة إظهارهم إما مرضى يثيرون الشفقة، أو أنهم يمارسون حرية شخصية أو حقهم في الاختلاف عن الآخرين، واللافت أن عدة محامين سعوا الى إيقاف هذه البرامج عبر اللجوء الى قاضي الأمور المستعجلة كونها تحض على الفسق والفجور، لكن القيمين على هذه البرامج كانوا أقوى من المحامين الغيورين على أخلاق مجتمعهم، وتم عرض كل هذه البرامج التي دخلت بيوت اللبنانيين في وقت مبكر من الليل ومن دون إستئذان.

كل ذلك يطرح أسئلة إضافية مشروعة وهي: ماذا يراد للبنان في المرحلة المقبلة؟، وهل المطلوب أن يكون هونغ كونغ الشرق الأوسط؟، وهل مساعدات الدول الغربية مشروطة بتنفيذ أمور من هذا النوع؟، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا هذا التركيز على كل ما يسيء الى الآداب العامة والأخلاق في البلد؟.

يقول مراقبون: “إن ما يشهده لبنان من برامج تروّج لكل ما هو خارج عن الأخلاق خطير جدا على المجتمع والعائلة وتماسكهما، وقد جاء مؤخرا إعادة طرح الزواج المدني ليزيد الطين بلة”.